نفتتح هذا اللقاء بما انتهينا إليه من تفسير جزء سورة النبأ، حيث وصلنا إلى سورة التكاثر يقول الله عز وجل: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1-2] هذه الجملة جملة خبرية، يخبر الله عز وجل بها العباد مخاطباً لهم يقول: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر:1] ومعنى (ألهاكم) أي: شغلكم حتى لهوتم عما هو أهم من ذكر الله تعالى والقيام بطاعته، والخطاب كما تعلمون لجميع الأمة، إلا أنه يخصص بمن شغلتهم أمور الآخرة عن أمور الدنيا وهم قليل، وإنما نقول: هم قليل؛ لأنه ثبت في الصحيحين أن الله تبارك وتعالى يقول يوم القيامة: (يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك، فيقول: أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون) واحد في الجنة والباقي في النار، وهذا عدد هائل إذا لم يكن من بني آدم إلا واحد من الألف إلى الجنة والباقون من أهل النار، إذاً فالخطاب بالعموم في مثل هذه الآية جارٍ على أصله؛ لأن الواحد من الألف ليس بشيء بالنسبة إليهم.
وأما قوله: {التَّكَاثُرُ} [التكاثر:1] فهو يشمل التكاثر بالمال، والتكاثر بالقبيلة، والتكاثر بالجاه، والتكاثر بالعلم، وبكل ما يمكن أن يقع فيه التفاخر، ويدل لذلك قول صاحب الجنة لصاحبه: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً} [الكهف:34] فالإنسان قد يتكاثر بماله فيطلب أن يكون أكثر من الآخر مالاً وأوسع تجارة، وقد يتكاثر الإنسان بقبيلته، يقول: نحن أكثر منهم عدداً كما قال الشاعر:
ولست بالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر
أكثر منهم حصى؛ لأنهم كانوا فيما سبق يعدون الأشياء بالحصى، فمثلاً: إذا كان هؤلاء حصاهم عشرة آلاف والآخرون حصاهم ثمانية آلاف صار الأول أكثر وأعز، فيقول الشاعر:
ولست بالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر
كذلك يتكاثر الإنسان بالعلم، فتجده يفخر على غيره بالعلم، لكن إن كان بالعلم الشرعي فهو خير، وإن كان بالعلم غير الشرعي فهو إما مباح وإما محرم، المهم أن مما يقع فيه التكاثر العلم، وهذا هو الغالب على بني آدم التكاثر فيتكاثرون في هذه الأمور عما خلقوا له من عبادة الله عز وجل.