وهذا هو أهم الأمور وأشدها على النفوس، حتى قال بعض السلف: [ما جاهدت نفسي على شيء ما جاهدتها على الإخلاص] لأن الإنسان يعتري نفسه النظر إلى أشياء كثيرة: إما إلى الجاه، أو إلى القرب من الناس، أو إلى التصدر، أو إلى أمور دنيوية أخرى كثيرة تخدش الإخلاص وتخل به.
فما هو الإخلاص في الدعوة إلى الله عز وجل؟ الإخلاص في الدعوة إلى الله عز وجل: أن ينوي الداعي قبل كل شيء أنه ممتثل لأمر الله، قائم بأمره، مطيعٌ له؛ لأن الله أمره بذلك: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل:125] وإذا نوى هذه النية صارت دعوته عبادة، لا يكتب كلمة إلا وله فيها أجر، ولا يلفظ بحرف إلا وله فيه أجر، ولا يمشي إلا وله أجر، ولا يجلس إلا وله أجر، ولا يقوم إلا وله أجر، ما دام في هذه المهمة العظيمة الدعوة إلى الله.
ويضاد ذلك: أن يكون الإنسان يريد من القيام داعياً بين الناس أن يظهر أمامهم، وأن يجلوه، وأن يعظموه، وأن يجعلوه قائداً، فإن هذه نية دنيئة، أدنى من الدين الإسلامي، الدين الإسلامي يجب أن يكون هو المراد، وألا يكون المراد هو النفع الذاتي، فإن ذلك نقص عظيم.
ثانياً من أمور الإخلاص: أن يقصد الإنسان بالدعوة إلى الله عز وجل إقامة دين الله في عباد الله، لأن الدين مثل الأرض الرياض الأرض الرياض قابلة للزرع لكنها تحتاج إلى ماء، فالدعوة إلى الله بمنزلة الماء الذي ينزل على الأرض الروضة القابلة للإنبات، كذلك ينزل هذا الوحي على قلوب الرجال بواسطة هذا الداعية فتقوم الملة وتستقيم الأمة، وهذا مقصد حسن؛ أن يكون قصد الإنسان بالدعوة إلى الله إقامة دين الله في عباد الله.
ويتعلق بالإخلاص كذلك: أن ينوي إصلاح عباد الله؛ لأن العباد يعتورهم ثلاثة أمور: الأمر الأول: هوى النفس.
والثاني: الشيطان.
والثالث: البيئة والمجتمع.
ولهذا جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (كل مولودٌ يولد على الفطرة: فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) لأن البيئة لها تأثير عظيم.
الهوى أيضاً، الشيطان فلابد أن يكون هناك دعوة تعين عباد الله على محاربة الأعداء الثلاثة وهي: النفس، والشيطان، والمجتمع، ولهذا تجد فرقاً بين شخص يعيش بين أهلين مستقيمين، وبين آخر يعيش بين أهلين منحرفين، فالدعوة إلى الله لابد أن ينوي الإنسان بها إصلاح عباد الله.