المبحث الرابع: من الذي يجب عليه الحج؟ هل كل إنسان يجب عليه الحج؟ لا.
بل قيد الله ذلك بقوله: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97] فلا بد لوجوب الحج من شروط: الأول: الإسلام.
والثاني: البلوغ.
والثالث: العقل.
والرابع: الحرية.
والخامس: القدرة وهي: الاستطاعة.
خمسة شروط، فمن لم تتم في حقه هذه الشروط الخمسة فإن الحج لا يجب عليه.
أما شرط الإسلام: فالإسلام ضده الكفر، والكافر لا يجب عليه الحج، بل لو حج الكافر لم يقبل منه؛ لأن الإسلام شرط لصحة العبادات.
الثاني: البلوغ، فمن هو دون البلوغ لا يجب عليه الحج، فلو فرض أن شاباً مات قبل أن يبلغ فإنه لا يُحج عنه على سبيل الوجوب؛ لأنه لم يجب عليه الحج، ولكن هل يجزئ أن يحج قبل أن يبلغ؟ بمعنى: هل يصح حجه قبل أن يبلغ؟
صلى الله عليه وسلم نعم.
يصح حجه قبل أن يبلغ، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صبياً فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم.
ولك أجره) فيصح حج الصغير، ولكنه لا يجزئ عنه، إذا بلغ وجب عليه أن يعيد الحج، بل وجب عليه أن يؤدي الفريضة.
فإن قال قائل: هل تشيرون على الناس في هذه الأوقات أن يحرم صغارهم بالحج أو بالعمرة، أم تشيرون بعدم ذلك؟ فالجواب: أننا نشير بعدم ذلك، وألا يكلفوا صبيانهم الحج؛ لما في ذلك من الزحام الشديد الذي يكاد يهلك به البالغ والكبير، ولأنه يشغل أهله، فالإنسان إذا ذهب -مثلاً- للطواف في الموسم في هذا الزحام فإنه لا يدري أيشتغل بحفظ ولده، أو يشتغل بطوافه، فيؤدي إلى الإخلال بالطواف، لكن لو بقي الولد بالخيمة أو في المقر لكان الأب يؤدي طوافه بطمأنينة، والابن لا يتكلف، وما دامت المسألة ليست واجبة فلنأخذ برخصة الله عز وجل، فهذا هو الذي نشير به في هذه الأزمان للمشقة الشديدة على الصبي وعلى ولي الصبي.
الشرط الثالث: العقل.
فمن ليس بعاقل لا يصح حجه، فلو أصيب الإنسان في عقله بحادث طرأ عليه، أو بجنون -نسأل الله العافية- أو بكبر وصل إلى حد الهذرات فإنه لا يصح حجه؛ لأنه ليس بعاقل.
والشرط الرابع: الحرية.
هي ألا يكون الإنسان رقيقاً أي: مملوكاً؛ لأن المملوك لا يستطيع أن يحج إذ هو مملوك لسيده، لكن لو حج الرقيق فهل يصح؟ الجواب: نعم.
يصح حجه، ويكتب له أجر، لكن إذا أعتق وجب عليه أن يؤدي الفريضة؛ لأن حجه قبل أن يتحرر لا يجزئ عن الفرض، وقال بعض أهل العلم: إنه إذا حج بإذن سيده أجزأه عن الفريضة؛ لأن عدم وجوب الحج على الرقيق ليس بمعنى فيه ولكن لحق سيده، فإذا أذن سيده بذلك فلا بأس، ونظير هذا الفقير لا يجب عليه الحج، لكن لو حج أجزأه عن الفريضة، وهذا القول هو الراجح، أي: أن الرقيق إذا حج بإذن سيده أجزأه عن الفريضة ما دام عاقلاً.
الشرط الخامس: الاستطاعة بالمال والبدن.
فمن ليس عنده مال فلا حج عليه، كما أن الفقير الذي لا مال له ليس عليه زكاة، فالفقير الذي لا يستطيع الحج ليس عليه حج، ولو مات للقي الله عز وجل غير آثم؛ لأنه لا يستطيع، وأما العاجز بالبدن الذي لا يستطيع ببدنه فينظر إن كان عجزه طارئاً يرجى زواله قلنا: انتظر حتى يعافيك الله وتحج بنفسك، وإن كان عجزه دائماً كالمريض بالمرض الذي لا يرجى برؤه، أو الكبير الذي لا يستطيع فهذا يجب عليه أن ينيب من يحج عنه ويعتمر عنه.
ومن الاستطاعة: أن يكون للمرأة محرم، فإن لم يكن لها محرم فلا حج عليها، فلو أنها ماتت وعندها أموال كثيرة ولم تحج لعدم وجود المحرم فإنها تلقى الله تعالى غير آثمة؛ لأن هذه المرأة لا تستطيع من الناحية الشرعية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تسافر المرأة بدون محرم، أعلن ذلك في خطبة له في المدينة، فقام رجل فقال: (يا رسول الله! إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: انطلق فحج مع امرأتك) فأمره أن يدع الغزوة وأن يذهب ويحج مع امرأته، وهذا دليل على أنه لا يمكن أن تحج المرأة بلا محرم، وما نراه اليوم من تهاون الناس في هذا فهو من الأمور التي نسأل الله سبحانه وتعالى ألا يصيبنا ببلاء بسببها، فإنه إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن تسافر المرأة بلا محرم وسأله هذا الرجل: أنه اكتتب في الغزوة، فأمره النبي عليه الصلاة والسلام أن يدع الغزوة ويذهب ويحج مع امرأته.
وهذا دليل على تأكد المحرم، ولا سيما في أزماننا هذه حيث غلبت الشهوات على النفوس إلا من عصم الله.
الأول: الإسلام.
الثاني: البلوغ.
والثالث: العقل.
والرابع: الحرية.
والخامس: الاستطاعة.
فمتى تمت هذه الشروط وجب على الإنسان أن يذهب إلى الحج فوراً بدون تأخير؛ لأنه لا يدري ماذا يحدث له، فقد يكون عاجزاً بعد القدرة، وقد يكون فقيراً بعد الغنى، وقد يموت، وقد وجب عليه الحج، ثم يفرط الورثة في قضائه عنه، فالواجب على الإنسان إذا تمت شروط الوجوب في حقه أن يبادر.