Q فضيلة الشيخ، يقول أكثر أهل العلم: إن الحاكم بغير ما أنزل الله إذا كان لا يستحل الحكم بغير ما أنزل الله، ويعلم أن حكم الله خير من حكم غيره فهو لا يكفر إلا بشرط الاستحلال.
فما هو الدليل على أنه لا يكفر إلا أن يكون مستحلاً لذلك؟ وإذا كان الاستحلال لا يكون إلا في القلب باعتقاد الشيء حله من حرامه فكيف لنا أن نعرف أن هذا مستحل أو غير ذلك؟ جزاكم الله خيراً!
صلى الله عليه وسلم أولاً: بارك الله فيك، لا بد أن نعلم أن معنى تكفير الإنسان نقله من الإسلام إلى الكفر، ويترتب على هذا أحكام عظيمة، من أهمها: استباحة دمه وماله، وهذا أمر عظيم لا يجوز لنا أن نتهاون به، مثلاً: لو قلنا هذا حلال وهذا حرام بغير علم أهون مما إذا قلنا: هذا كافر وهذا مسلم بغير علم.
ومن المعلوم أن التكفير والإسلام إنما هو إلى الله عز وجل، فإذا نظرنا إلى الأدلة وجدنا أن الله وصف الحاكمين بغير ما أنزل الله بثلاثة أوصاف؛ فقال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] ، وقال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:45] ، وقال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47] ، ووصف الحكم بغير ما أنزل الله بالجهل، فقال: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50] ، فلابد أن نرى مخرجاً من هذه الأوصاف التي ظاهرها التعارض، ولا مخرج لنا في ذلك إلا أن تطبق على القواعد الشرعية.
فمثلاً: إذا جاءنا رجل ورفع الحكم الشرعي وأحل بدله قوانين تخالف ما أنزل الله على رسوله، فهذا لا شك أنه مستحل؛ لأنه رفع الحكم نهائياً ووضع قانوناً من وضعه أو من وضع من هو أسوأ حالاً منه، فهذا كافر؛ لأن رفعه للأحكام الشرعية ووضع القوانين بدلها يعني أنه استحل ذلك، لكن يبقى عنه: هل نكفر هذا الرجل بعينه، أو ننظر حتى تقوم عليه الحجة؟ لأنه قد يشتبه عليه مسائل الأمور الدنيوية من مسائل الأمور العقدية أو التعبدية، ولهذا تجده يحترم العبادة ولم يغير فيها، فلا يقول مثلاً: إن صلاة الظهر تأتي والناس في العمل نؤجلها إلى العصر، أو صلاة العشاء تأتي والناس محتاجون إلى النوم والعشاء نقدمها إلى المغرب مثلاً، يحترم هذا، لكن في الأمور الدنيوية ربما يتجاسر ويضع قوانين مخالفة للشرع، فهذا من حيث هو كفر لا شك فيه؛ لأن هذا رفع الحكم الشرعي واستبدل به غيره، ولكن لا بد أن نقيم عليه الحجة، وننظر لماذا فعلت ذلك؟ قد يلبس عليه بعض العلماء الذين هم علماء دولة، ويحرفون الكلم عن مواضعه من أجل إرضاء الحاكم، فيقولون مثلاً: إن مسائل الدنيا اقتصادياً وزراعياً وأخذاً وإعطاءً موكول إلى البشر؛ لأن المصالح تختلف، ثم يموهون عليه بقوله صلى الله عليه وسلم: (أنتم أعلم بأمور دنياكم) وغالب الحكام الموجودين الآن جهلة، لا يعرفون شيئاً، فإذا أتى إنسان كبير العمامة طويل الأذيال واسع الأكمام وقال له: هذا أمر يرجع إلى المصالح، والمصالح تختلف بحسب الزمان والمكان والأحوال، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (أنتم أعلم بأمور دنياكم) ، ولا بأس أن تغيروا القوانين التي كانت مقننة في عهد الصحابة وفي وقت مناسب إلى قوانين توافق ما عليه الناس في هذا الوقت، فيحللون ما حرم الله، ويقولون مثلاً: الربا نوعان: ربا الاستثمار، وربا الاستغلال، فالأول جائز والثاني حرام، ثم يقولون: اكتب هذه المادة.
فيكون هذا جاهلاً، لكن إذا أقمنا عليه الحجة وقلنا: هذا غلط، وهذا خطأ وتحريف من هذا العالم الذي غرك، ثم أصر على ما هو عليه؛ حينئذ نحكم بكفره ولا نبالي.
فالحاصل: أن العلماء رحمهم الله قسموا هذا التقسيم من أجل موافقة هذه النصوص المطلقة للقواعد الشرعية المعلومة.