Q فضيلة الشيخ! يقول صلى الله عليه وسلم: (لا يقعدن أحدكم متكئاً على أريكته يقول: هذا كتاب الله ما وجدنا فيه حلالاً حللناه، وما وجدنا فيه حراماً حرمناه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) ما معنى قوله: (متكئاً على أريكته) ؟ وهل في هذا الحديث دليل على وجوب متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كان الأمر كذلك فما معنى قول الأصوليين وعلماء الفقه: السنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها؟
صلى الله عليه وسلم أما لفظ الحديث فليس كما قال السائل: (لا يقعدن أحدكم على أريكته) ، بل قال: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته) وهذا تحذير من النبي عليه الصلاة والسلام أن يكون الإنسان على هذا الوصف وعلى هذه الحال، عنده من الغطرسة والكبرياء ما جعله متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر من عند الرسول عليه الصلاة والسلام ويقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه.
يعني: لا نتبع السنة، وهذا تحذير من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يكون الإنسان على هذا الوصف، ولهذا قال: (ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه) ، وهي السنة، كما قال تعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [النساء:113] ، قال أهل العلم: المراد بالحكمة هنا السنة، بدليل قوله: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [النساء:113] .
ومعلوم أن رد السنة الصحيحة الثابتة عن الرسول عليه الصلاة والسلام كرد القرآن تماماً؛ لأن ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام من أحكام فهو كما جاء في القرآن من الأحكام، إذ هو رسول الله عز وجل، فمن قال: لا أقبل إلا ما جاء في القرآن، قلنا: إنك واقع في هذا الحديث الذي حذر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمته أن يكونوا على هذا الحال.
ثم نقول له: إن ردك لما جاء به الرسول هو رد لما جاء به القرآن؛ لأن الله تعالى قال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:80] ، وقال: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} [الجن:23] ، وقال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] ، وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وأما السنة فالسنة لها اصطلاحان: اصطلاح عام، واصطلاح خاص.
أما الاصطلاح العام فإن السنة هي طريقة النبي صلى الله عليه وسلم الشاملة للواجب والمستحب وغير ذلك، ومنه قول أنس بن مالك رضي الله عنه: [من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً ثم قسم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً ثم قسم] هذه السنة واجبة.
أما الاصطلاح الخاص فهو اصطلاح الفقهاء رحمهم الله؛ حيث قسموا الأحكام الشرعية إلى خمسة أقسام: واجب، وسنة، وحرام، ومكروه، ومباح، وإنما قسموا ذلك ليتبين الشيء الذي ألزم به الشرع؛ فيكون واجب الفعل إن كان واجباً، ويكون واجب الترك إن كان حراماً، وما دون ذلك يكون سنة في المأمور ومكروهاً في المنهي عنه.
وعليه فلا إشكال، فصارت السنة الآن نوعان: عامة وخاصة، فالعامة: هي التي يراد بها طريق النبي عليه الصلاة والسلام الشامل للواجب والمستحب.
أما الخاصة: فهي ما اصطلح عليه الفقهاء حيث قالوا: إن السنة: هي التي إذا فعلها الإنسان أثيب عليها وإذا تركها لم يعاقب.