Q فضيلة الشيخ! تعلمون ما انفتح على الناس في هذا الزمان من حب الدنيا والاستغراق في الملاهي والشهوات، وما يخطط له أعداء الإسلام، نريد كلمة لمن يسمع هذا الكلام أو يقرأه، أو نصيحة في الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى وعودة إلى كتاب الله سبحانه وتعالى.
صلى الله عليه وسلم أظن أنه لا شيء أشد تأثيراً من المواعظ في القرآن الكريم، والله تعالى أجمل ذلك بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:7-6] .
هاتان الآيتان من أعظم ما يكون موعظة لمن تبصر، وعد الله حق سواءٌ كان للذي وعد به أجراً وثواباً للصالحين، أو عقوبة ونكالاً للعاصين، هو حق، صدق، ثابت، لابد أن يقع، ثم قال: {فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} فتصدكم عما أمر الله به أو توقعكم فيما نهى الله عنه، والحياة الدنيا في الحقيقة تغر الإنسان الأبله السفيه، أما الإنسان العاقل الكيس فإنها لا تغره، وكيف تغر الدنيا إنساناً وهي في الحقيقة مشحونة ومملوءة بالهم والغم والتنغيص والكدر، وكما قال الشاعر الأول:
لا طيب للعيش ما دامت منغصة لذاته في ادكار الموت والهرم
أنت ترى الإنسان في يومك على ظهر الأرض، وفي غدك في باطن الأرض، والذي مر عليه أفلا يجوز أن يمر عليك؟ الجواب: بلى، يمكن أن تكون اليوم في عالم الدنيا وغداً في عالم الآخرة، فكيف تغتر بدار لا يدري الإنسان متى يرتحل عنها، بدار الارتحال عنها ليس بيدك، بدار لا يدري ربما يبقى ما هو فيه من الرفاهية وربما يزول.
فالحاصل: أن الإنسان يجب ألا تغره الدنيا، وأن يتبصر في أمره، وأن يعلم أنه في الدنيا عابر إلى مقر آخر، حتى مقر القبور ليس مقراً بل هو زيارة، كما قال تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1-2] والمقر هو إما الجنة وإما النار، أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهل الجنة، فلا ينبغي للإنسان العاقل أن تغره الدنيا، {وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر:5] الشيطان وأولياء الشيطان، فالغرور اسم جنس ليس خاصاً بالشيطان بل هو عام للشيطان وأوليائه، فما أكثر شياطين الإنس الذين يغرون الإنسان، ويسفهونه، ويوقعونه فيما يندم عليه، وهم جلساء السوء الذين حذر منهم النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: (إن مثل الجليس السوء كنافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة كريهة) .
ثم بين الله عز وجل أن الإنسان لا يغتر بالدنيا إلا من عدوٍ له وهو الشيطان، فقال: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} وصدق الله، والآية هنا فيها خبر وطلب، الخبر قوله: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ} والطلب: {فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} أمرنا الله أن نتخذه عدواً، فإذا قال قائل: كيف أعلم أن هذا من الشيطان أو من الرحمن؟ قلنا: إذا كان الذي وقع في قلبك حباً للمعاصي وكراهة للطاعات فهو من الشيطان، ومعلوم أنه إذا كان حباً للطاعات وكرهاً للمعاصي فهو من الرحمن عز وجل، هذه العلامة، قال الله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة:268] ، وقال تعالى: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:6] لكنهم جهال لا يدعون السفهاء، يظنون أن هذا هو الخير، أو يملي لهم الشيطان ويقول: افعل ثم تب، ثم يفعل ولا يتوب.
نسأل الله أن يقينا شرور أنفسنا وشر أعدائنا.