قال تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق:17-18] اللام هنا للتحدي، أي: إن كان صادقاً وعنده قوة وقدرة فليدع ناديه، و (النادي) هو مجتمع القوم للتحدث بينهم والتخاطب والتفاهم استئناس بعضهم ببعض، وكان أبو جهل معظماً في قريش وله نادٍ يجتمع الناس إليه فيه، ويتكلمون في شئونهم، فهنا يقول الله عز وجل: إن كان صادقاً (فليدع ناديه) وهذا لا شك أنه تحد كما تقول لعدوك: إن كان لك قومٌ فتقدم، وما أشبه ذلك من الكلمات الدالة على التحدي، قال تعالى: {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق:18] أي: عندنا من هم أعظم من نادي هذا الرجل وهم الزبانية؛ ملائكة النار -نسأل الله العافية- وقد وصف الله ملائكة النار بأنهم: {غِلاظٌ شِدَادٌ} [التحريم:6] غلاظ في الطباع شداد في القوة: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} [التحريم:6] بل يمتثلون كل ما أمرهم الله به: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] لا يعجزون عن ذلك، فوصفهم بوصفين: أنهم في تمام الانقياد لله عز وجل: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} [التحريم:6] وأنهم في تمام القدرة: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] .
وعدم امتثال أمر الله عز وجل إما أن يكون للعجز وإما أن يكون للمعصية، فمثلاً: الذي لا يصلي الفرض قائماً قد يكون لعجز، وقد يكون للعناد، فهو لا ينفذ أمر الله، لكن الملائكة الذين على النار ليس عندهم عجز، عندهم قوة وقدرة، وليس عندهم استكبار عن الأمر، بل عندهم تمام التذلل والخضوع، هؤلاء الزبانية لا يمكن لهذا وقومه وناديه أن يقابلوهم أبداً، ولهذا قال: {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق:18] فإن قال قائل: أين الواو في قوله ندعُ؟ قلنا: إنها محذوفة لالتقاء الساكنين، لأن الواو ساكنة وهمزة الوصل ساكنة وإذا التقى ساكنان فإن كان الحرف صحيحاً كسر وإن كان غير صحيح حذف.
قال ابن مالك رحمه الله في الألفية:
إن ساكنان التقيا اكسر ما سبق وإن يكن ليناً فحذفه استحق
إذا التقى ساكنان وكان الحرف الأول صحيحاً ليس من حروف العلة كسر، مثل قوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البينة:1] وأصلها (لم يكنْ) لأن (لم) إذا دخلت على الفعل جزمته، كما في قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:4] لكن هنا التقى ساكنان وكان الأول حرفاً صحيحاً فكسر، أما إذا كان الأول حرف لين -أي: حرف من حروف العلة- فإنه يحذف كما في هذه الآية {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق:18] .