حكم التبليغ عن المهمل في عمله بعد المناصحة

Q فضيلة الشيخ: هذه المسألة حدث لنا فيها إشكال كبير فنرجو البيان الوافي فيها للحاجة الماسة إليه: نعمل في مكان تكثر فيه المنكرات، ويتم الإنكار على المسئول بالطرق الشرعية الحكيمة بالمكاتبة والمهاتفة وغيرها من طرق البلاغ، والمنكرات لا تزال والمحتسب غير مستعجل النتائج، لكن حصل إشكال في براءة الذمة في حد البلاغ؛ فأناس قالوا: يكفي أن نبلغ المسئول القريب عن هذه المنكرات، وإن أهمل التعميم الصادر بشأنها وإن كنا نعتقد أن المسئول لا يبالي وأن الإمام لا يعلم بهذا ولا يرضاه.

وفريق قال: بل لا تبرأ الذمة ولابد من الكتابة للإمام؛ لأن جزمنا بأن المسئول القريب لا يهتم بتنفيذ التعميم والإمام لا يعلم غش في النصح يلحقنا بسببه الإثم، فأين الصواب غفر الله لكم ولوالديكم؟

صلى الله عليه وسلم هذا سؤال مهم كما قال السائل: وهو أن بعض المسئولين على بعض القطاعات لا يهتمون لا بالأمور الشرعية، ولا بالأمور النظامية، مهمل، غير صالح للعمل في هذا المكان لا نظاماً ولا ديناً، فيناصحه بعض من تحت يده من أهل الخير والصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكنه يصر على ما هو عليه، فهل تبرأ الذمة بمناصحته، أو لا بد من أن يرفع الأمر إلى من فوقه ليعدله أو يبدله؟ أقول في جوابي على هذا: لابد أن يرفع الأمر إلى من فوقه، يجب وجوباً أن يرفع الأمر إلى من فوقه، والسكوت على هذا غش؛ غش لولاة الأمور، وغش للعمل، وظلم حتى لهذا المسئول المتهاون؛ لأنك إذا رفعت الأمر إلى من فوقه وحصل المقصود والاستقامة، فقد رفعت عن هذا المسئول المباشر لك، رفعت عنه إثم التهاون وترك القيام بالواجب، يعني: أنك نصحته قال النبي عليه الصلاة والسلام: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قالوا: يا رسول الله هذا المظلوم كيف ننصر الظالم؟ قال: تمنعوه من الظلم) فالواجب على كل إنسان عليه مسئول مباشر مضيع للأمانة في الدين أو في النظام أن يناصحه بكل ما يستطيع من مناصحة، فإن حصل المطلوب فهو المطلوب، وإن لم يحصل وجب عليه أن يرفعه إلى من فوقه لأجل أن يبدل أو يعدل، أما السكوت على الخطأ فهذا خطأ.

قد يقول: أخشى أن هذا يتسلط عليَّ ولا يحصل المقصود، نقول: هذا حاصل، يمكن ألا يحصل المقصود، ويكون الذي فوقه أيضاً غير مبالٍ، لكن إن حصل عليك في هذا ضرر فهذا في ذات الله، فلك فيه الأجر، ولك الذكرى الحسنة في حياتك وبعد موتك، واصبر على ما أصابك، كما قال لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17] على أن الإنسان إذا قام بما أمر الله به على الوجه الذي يرضاه الله عز وجل فإن العاقبة ستكون له، قال الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود:49] ، وقال تعالى: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132] لكن علينا أن يكون إيماننا تاماً بهذا، ونعلم أن العاقبة لنا متى اتقينا الله.

والعاقبة لا يلزم أن تكون سريعة، فلا يلزم أن تكون عاجلة، قد تتأخر ابتلاءً وامتحاناً، وقد لا تحصل إلا في الآخرة أيضاً ليكون ذلك أكثر أجراً وثواباً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015