قال تعالى: {يَقُولُ} أي الإنسان.
{يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} يتمنى أنه قدم لحياته.
وما هي حياته؟! أتظنون أنه يريد حياة الدنيا؟! لا والله، فإن الحياة الدنيا انتهت وانقضت، وليست الحياة الدنيا حياةً في الواقع، بل الواقع أنها هموم وأكدار، كل صَفْوٍ يعقبه كَدَر، كل عافية يتبعها مرض، كل اجتماع يعقبه تفرُّق، انظروا ما حصل! أين الآباء؟! أين الإخوان؟! أين الأبناء؟! أين الأزواج؟! هل هذه حياة؟! أبداً! ولهذا قال بعض الشعراء الحكماء:
لا طيب للعيش ما دامت مُنَغَّصَةً لَذَّاتُه بادِّكارِ الموتِ والهرمِ
كل إنسان يتذكر أن مآله أحد أمرين: إما الموت، وإما الهرم.
ونحن نعرف أناساً كانوا شباباً في عنفوان الشباب، عُمِّروا؛ لكن رجعوا إلى أرذل العمر، يَرِقُّ لهم الإنسان إذا رآهم في حالة بؤس، حتى وإن كان عندهم من الأموال ما عندهم، وعندهم من الأهل ما عندهم؛ لكنهم في حالة بؤس.
هكذا كل إنسان، إما أن يموت مبكراً، وإما أن يُعَمَّر فيُرَد إلى أرذل العمر، فهل هذه حياة؟! الحياة هي ما بيَّنه الله عزَّ وجلَّ: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:64] يعني: لَهِيَ الحياة التامة.
فيقول الإنسان هذا: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:24] يتمنى؛ لكن مع الأسف أنَّى له الذكرى.