Q فضيلة الشيخ! جزاك الله خيراً! ما معنى حديثِ النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق آدم على صورته) ؟ وما معنى حديثٍ: (وما ترددتُ في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن) ؟
صلى الله عليه وسلم أما الأول بارك الله فيك (إن الله خلق آدم على صورته) فقد قيل فيه أقوال لا تُقْبَل، مثل: إن الله خلق آدم على صورة آدم، وجعل الضمير عائداًَ إلى آدم نفسه؛ فيبقى هذا الحديث لا فائدة منه، فإذا كان المعنى: إن الله خلق آدم على صورة آدم فما هي الفائدة؟ فنقول: وخلق غير آدم على صورته أيضاً.
أليس كذلك؟ لكن الصحيح المتعين: أن الضمير في (صورته) يعود إلى الله عزَّ وجلَّ؛ ولكن هل يلزم من كون الله خلق آدم على صورته أن يكون مماثلاً له؟! الجواب: لا.
أولاً: لأن الله قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] ، فنحن نؤمن بأن الله ليس كمثله شيء، ونؤمن بأن الله خلق آدم على صورته.
لأن الأول قول الله، والثاني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلاهما يجب علينا الإيمان بهما والتصديق.
فإذا قال قائل: كيف يُتَصَوَّر أن يكون الشيء على صورة الشيء وليس مماثلاً له؟! وهذا هو الذي يَرِد على النفس! نقول: أليس قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن (أول زمرة تدخل الجنة تكون على صورة القمر ليلة البدر) ، وهل يلزم من كون هذه الزمرة على صورة القمر أن تكون مثل القمر؟! الجواب: لا.
إذاً لا يلزم من كون الله خلق آدم على صورته أن يكون مماثلاً له عزَّ وجلَّ.
هذا قول، وهو قولٌ ظاهر، وليس فيه تأويل، ولا خروج عن ظاهر اللفظ.
والقول الثاني: أن الضمير في (صورته) يعود على الله؛ لكن هذا من باب إضافة الشيء إلى الله على وجه التكريم والتشريف مثل: {نَاقَةَ اللَّهِ} [الشمس:13] في قوله تعالى: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ} [الشمس:13] ، فهل لله ناقة يركبها مثلاً؟! حاشا وكلا! لكن أضاف الرسولُ الناقةَ إلى الله من باب التشريف.
كذلك قال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ} [البقرة:114] المساجد هي للناس يصلون فيها! فهل الله عزَّ وجلَّ يكون في هذه المساجد؟! لا.
بل الله تعالى في السماء على عرشه؛ لكن أضاف الله المساجد إليه؛ لأنها محل عبادته، وأهل للتشريف والتكريم.
نعود إلى روح آدم فنقول: الله سبحانه وتعالى قال للملائكة: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص:72] ، فهل روح آدم هي روح الله؟! لا.
أبداً.
بل روح آدم روحٌ مخلوقة خلقها الله؛ لكن أضافها الله إليه على سبيل التشريف.
فقوله: (على صورته) يعني: على الصورة التي صورها الله عزَّ وجلَّ، وأضافها الله على سبيل التشريف.
فإذا قال قائل: وصورة الرجل الآدمي، أليس الله هو الذي صوَّرها؟! قلنا: بلى.
الله هو الذي صوَّرها؛ لكن لا تستحق أن تضاف إلى الله، فأشرف ما خلق الله هم بنو آدم، قال الله تبارك وتعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4] ، لا يوجد أحدٌ أحسن خَلْقاً من الخَلْق الإنساني.
إذاً: تكون صورة آدم ليست كصورة غيره من البشر، ولهذا استحقت أن تضاف إلى الرب عزَّ وجلَّ تشريفاً وتكريماً.
فصار الحديث له معنيان: المعنى الأول: إجراؤه على ظاهره، وأن نقول: لا يلزم من كون الله خلق آدم على صورته أن يكون مماثلاً لله.
المعنى الثاني: أن يقال: (على صورته) بمعنى: أن الله خلق آدم على الصورة التي اختارها وأضافها إليه على سبيل التشريف، ولهذا قال: لا يُقبَّح الوجه ولا يُضرب فتتغير هذه الصورة التي خلقها الله عزَّ وجلَّ.
أما السؤال الثاني فهو قوله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: (وما ترددت في شيء أنا فاعلة ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره إساءته، ولا بد له منه) .
إن الله عزَّ وجلَّ لا يحب أن يفعل شيئاًَ يكرهه عبده المؤمن، بل قال الله تعالى: (من عادى لي ولياً فقد آذنتُه بالحرب) ، أيْ: أنَّ أيَّ إنسان يعادي ولياً من أولياء الله -وأولياء الله هم {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:63]- فإنه يكون معلناً الحرب على الله عزَّ وجلَّ.
فلا يحب الله عزَّ وجلَّ أن يفعل ما يكرهه عبدُه المؤمن، فيتردد لا للشك في كون هذا مصلحة أو غير مصلحة؛ أي: ليس عن جهل؛ لكن يتردد من جهة ما يتعلق بالعبد، هل يفعله والعبد يكره ذلك، أم لا يفعله.
وبهذا نعرف أن التردد نوعان: تردد للشك في النتيجة، وهذا مُنَزَّه عنه الله عزَّ وجلَّ؛ لأن الله تعالى لا يخفى عليه شيء، وهو يقع مني أنا ومن فلان وفلان، نتردد في فعل الشيء لأننا نجهل النتيجة، ولهذا نستخير الله.
تردد بما يتعلق بالغيب مع العلم بالنتيجة، وهذا يوصف الله به، وليس فيه نقص بأي وجه من الوجوه.