Q فضيلة الشيخ! عندنا في مادة العلوم في الصف السادس الابتدائي درس عن دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس، فهل ورد في كتاب أو سنة ما يثبت هذا؟ وما هو موقف المدرس من هذا الدرس؟
صلى الله عليه وسلم أما كون الأرض تدور أو لا تدور فهذا لا أعلم شيئاً في القرآن أو السنة يؤيده أو يفنده، وقوله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل:15] هذه دليل من يقول: إن الأرض لا تتحرك، ومن يقول: إن الأرض تتحرك، كيف هذا؟ {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل:15] قال الذين قالوا إن الأرض تتحرك: هذا دليل لنا، وقال الآخرون: هذا دليل لنا، حسناً الذين قالوا: إنها دليل لنا قالوا: إن الله قال: {َأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل:15] إذاً لا تتحرك، وقال الآخرون: {أَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل:15] أي: أن تضطرب، وأن الاضطراب يدل على أصل الحركة.
وعلى كل حال أنا أتوقف في هذا ولا أستطيع أن أقول: إنها تتحرك أو تدور ولا أقول: إنها لا تدور؛ لأنه لم يثبت عندي في القرآن أو في السنة أن ذلك كائن أو غير كائن.
أما بالنسبة للشمس فالذي أعتقده إلى الآن أن الشمس هي التي تدور على الأرض وأن اختلاف الليل والنهار يكون بالشمس بجريانها حول الأرض، هذا الذي أعتقده؛ لأن هذا هو ظاهر كلام الله، والله عز وجل هو الذي خلق الشمس وهو الذي خلق الأرض وهو أعلم بها من غيره، قال الله تبارك وتعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَر عَنْ كَهْفِهِمْ} [الكهف:17] فيها ضميران الآن، طلعت يعني: الشمس، تزاور أي: الشمس، ولو كان طلوع الشمس بدوران الأرض لقال: وترى الشمس إذا طلعت عليها -أي: هي تطلع وتأتينا- إذا طلعت تزاور {وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف:17] (إذا غربت) ضمير يعود على الشمس (تقرضهم) ضمير يعود على الشمس أيضاً، وقال تعالى عن سليمان: {فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص:32] توارت الشمس بالحجاب، ولو كان ذلك بدوران الأرض لقال: حتى تورى عنها، أي: الشمس بالحجاب، وقال تعالى في ذي القرنين: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف:86] أي: في البحر، وقال النبي عليه الصلاة والسلام لـ أبي ذر حين غربت الشمس: (يا أبا ذر! أتدري أين تذهب؟ قال الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب فتسجد تحت العرش، فتستأذن الله عز وجل أتطلع أم لا، فإن أذن لها وإلا قيل: ارجعي من حيث جئتي، فترجع فتخرج من المغرب) كل هذه الضمائر تعود على الشمس، والذي قال ذلك هو الله عز وجل وهو أعلم بما خلق، ونحن تعجز عقولنا عن إدراك هذا، فمادمنا لم نر أمراً محسوساً نشهده كما نشهد الشمس على أن اختلاف الليل والنهار بسبب دوران الأرض فإن الواجب علينا أن نأخذ بظاهر القرآن والسنة، هذا الواجب، وهو لا يجوز أن نأخذ بقول فلان وفلان إلا إذا رأينا هذا بأعيننا، أي: لو فرض أننا أيقنا مثل الشمس أن الليل والنهار يكون تعاقبهما بدوران الأرض لقلنا: إن الله تعالى خاطب الناس بما يفهمون في ذلك الوقت ويكون طلوع الشمس وغروبها وتزاورها بحسب رؤية الرائي لا باعتبار الواقع، هذا متى نقوله؟ إذا علمنا ذلك حساً بأعيننا؛ لأن القرآن لا يعارض الواقع.
أما مجرد أن قالوا: كذا، نقول: كذا، هم قالوا: إن المادة غير مستحدثة، وغير حادثة -سبحان الله- المادة عندهم لا تفنى ولا تستحدث، فمن الذي خلقها {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} [الأنعام:116] كل الكون حادث مخلوق خلقه الله عز وجل من لا شيء، وأما فنائها فقد قال الله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن:26] ونحن نشاهد الحطب خشباً، فإذا أحرق بالنار صار رماداً تذروه الرياح، هل الرماد هذا هو الذي كان خشباً تغير، ولهذا ذهب بعض العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية إلى طهارة النجاسة بالإستحالة، وقال: إن النجاسة إذا تحولت إلى رماد فهي رماد وليست نجاسة.
فعلى كل حال هذه مسائل لا ينبغي لنا أن نتابع آراء من تكلم بها بمجرد أن يقول هكذا، وعندنا وحي منزل من الله عز وجل، إلا إذا تبين لنا رأي العين على وجه ممكن أن نتأول الآيات إلى معنىً آخر فهذا شيء لا بأس به.