لما قرر الله عز وجل في هذه السورة حديث الغاشية وهي: يوم القيامة، وبين أن الناس ينقسمون إلى قسمين: 1- وجوه خاشعة {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} [الغاشية:3-4] .
2- ووجوه ناعمة {لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ} [الغاشية:9] .
وبين جزاء هؤلاء وهؤلاء، قال: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:17] .
وهذا الاستفهام للتوبيخ، أي: أن الله يوبخ هؤلاء الذين أنكروا ما أخبر الله به عن يوم القيامة، وعن الثواب والعقاب، فأنكر عليهم إعراضهم عن النظر في آيات الله تعالى التي بين أيديهم، وبدأ بالإبل؛ لأن أكثر ما يلابس الناس في ذلك الوقت الإبل، فهم يركبونها، ويحلبونها، ويأكلون لحمها، وينتفعون من أوبارها إلى غير ذلك من المنافع، فقال: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ} [الغاشية:17] وهي الأباعر {كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:17] أي: كيف خلقها الله عز وجل بهذا الجسم الكبير المتحمل؛ تجد البعير تمشي مسافات طويلة التي لا يبلغها الإنسان إلا بشق الأنفس وهي متحملة، وتجد البعير أيضاً يحمل الأثقال وهو بارك ثم يقوم في حمله لا يحتاج إلى مساعدة، والعادة أن الحيوان لا يكاد يقوم إذا حمل وهو بارك، لكن هذه الإبل أعطاها الله عز وجل قوة وقدرة من أجل مصلحة الإنسان؛ لأن الإنسان لا يمكن أن يحمل عليها وهي قائمة لعلوها، فيسر الله تعالى له الحمل عليها وهي باركة ثم تقوم بحملها، وكما قال الله تعالى في سورة يس: {وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ} [يس:73] منافعها كثيرة لا تحصى، وأهلها الذين يلازمونها أعلم منا بذلك، فلهذا قال: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:17] ولم يذكر سواها من الحيوان كالغنم والبقر والظبي وغيرها؛ لأنها أعم الحيوانات نفعاً وأكثرها مصلحة للعباد.