Q فضيلة الشيخ: استفاض عن الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمة الله عليه أنه قال بظهور يأجوج ومأجوج وأنهم أهل الصين.
وبعد الرجوع إلى تفسيره تبين أن يأجوج ومأجوج سيخرجون في آخر الزمان وأنهم سيفسدون في الأرض، وأن خروجهم من علامات الساعة الكبرى، فهل رجع الشيخ عن قوله الأول أم أن له قولين في هذه المسألة؟ وأنتم ماذا ترجحون في هذا جزاكم الله خيراً؟
صلى الله عليه وسلم الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله هو شيخنا، وقد أثيرت ضجة حول ما نسب إليه من أن يأجوج ومأجوج هم أهل الصين وما وراء جبال القوقاز، والحقيقة أنه رحمه الله لم يقل شيئاً إلا بدليل مبني على الكتاب والسنة، وبقول قاله من قبله، لكن أهل الأهواء يتشبثون بخيط العنكبوت في تشويه سمعة من آتاه الله من فضله، فأرادوا أن يحسدوه.
فشيخنا رحمه الله لم يقل: إن يأجوج ومأجوج الذين يخرجون في آخر الزمان هم الموجودون الآن، ولا يمكن أن يقول به عاقل فضلاً عن عالم يعتبر علامة زمانه رحمه الله، وإنما قال: إن يأجوج ومأجوج موجودون، والقرآن يدل على ذلك، قال الله تعالى في ذي القرنين: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً * كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً} يعني: سار {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً} [الكهف:90-94] إذاً هم موجودون، وقوله تعالى: {مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً} يعني: مالاً {عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً} فاستجاب لذلك قال: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} [الكهف:96] فآتوه بزبر الحديد وركم بعضها على بعض: {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} يعني: بين الجبلين: {قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً} يعني: آتوني قطراً، أي آتوني حديداً مذاباً أفرغه عليه فأتوه بذلك، فصار هذا السد مثل الجبل، وهو سد من حديد {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} [الكهف:97] يعني: يعلو عليه {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً} أي: ما استطاعوا أن ينقبوه؛ لأنه من حديد {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي} [الكهف:98] يعني في آخر الزمان: {جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً * وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الكهف:98-99] .
فالحاصل أن شيخنا رحمه الله لم ير رأيين في هذه المسألة، بل هو رأيٌ واحد دل عليه كتاب الله عز وجل وكذلك أقوال أهل العلم، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال: (يقول الله تعالى: يا آدم -يعني: يوم القيامة- فيقول: لبيك وسعديك.
فيقول: أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار.
قال: يا ربِّ وما بعث النار؟ قال: تسعمائة وتسعة وتسعون من كل ألف) يعني: تسعمائة وتسعة وتسعين من بني آدم كلهم في النار وواحد في الجنة، (فَكَبُر ذلك على الصحابة وعظم عليهم وقالوا: يا رسول الله! أين ذلك الواحد؟ قال: أبشروا فإنكم في أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج) وهذا صريح أن يأجوج ومأجوج من بني آدم، وأنهم يدخلون النار.
فعلى كل حال نحن نرى ما يدل عليه الكتاب والسنة من أن يأجوج ومأجوج موجودون، لكن هؤلاء الموجودين ليسوا هم الذين يخرجون في آخر الزمان، بل سيأتي أقوام آخرون من نسلهم، فيخرجون في آخر الزمان، ويفسدون في الأرض كما أفسد آباؤهم.