Q فضيلة الشيخ: بعض الناس قد يستدل للحكم على مسألة معينة بقول صحابي أو فعله أو فتواه، ويكون في السنّة دليل أشمل وأقوى وأوضح من فعل الصحابي، ويحتج على ذلك بأن ذلك من اتباع سنّة الخلفاء الراشدين وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم باتباعها.
فهل يعتبر فعل الصحابي سنة من سنة الخلفاء الراشدين أم لا؟
صلى الله عليه وسلم أولاً -بارك الله فيك- العلماء مختلفون هل قول الصحابي حجة أم لا؟ فمن العلماء من قال: لا حجة إلا في ما قال الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:10] وقال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59] فلم يذكر طرفاً ثالثاً، فقول الصحابي كقول غيره ليس بحجة، لكن لا شك أن الصحابة أقرب إلى الصواب ممن بعدهم.
ومنهم من قال: إن قول الصحابي حجة إذا كان من أهل العلم والفقه؛ لأنك كما تعرف إذا جاء أعرابي عند النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم ثم رجع إلى إبله فهو صحابي، لكن قد يكون جاهلاً في كثير من مسائل العلم، أما إذا كان الصحابي من الفقهاء المعروفين بالفقه فإن قوله حجة بشرطين: الشرط الأول: ألا يخالف قول الله ورسوله؛ فإن خالف قول الله ورسوله وجب طرحه والأخذ بما قال الله ورسوله.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: [يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر!!] ، وقال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور:63] أي: عن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم: {أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63] قال الإمام أحمد: أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك؛ لعله إذا رد بعض قول الرسول أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك، نسأل الله العافية.
الشرط الثاني: ألا يخالف قول صحابي آخر؛ فإن خالف قول صحابي آخر وجب النظر في الراجح؛ لأنه ليس قول أحدهما أولى بالقبول من الآخر، ولكن ننظر في الراجح، فإذا كان أحد المختلفين أدنى من الآخر في الفقه في دين الله قدم الأعلم، وهو مقتضى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) فقدم أولاً سنته؛ لأن سنته صلى الله عليه وسلم مقدمة على كل شيء.
مثال ذلك: ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه إذا كان في حج أو عمرة قبض على لحيته وقص ما زاد عن القبضة، فهذا في ظاهره مخالف لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وفروا اللحى وحفوا الشوارب) ، ففعل ابن عمر هنا لا يحتج به على عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن قول الرسول مقدم على فعل ابن عمر، ثم إن ابن عمر كان يفعله إذا حج أو اعتمر لا مطلقاً، فبعض الناس يقول: إذا جاء نص عن الرسول عام وفعل صحابي فإنه يخصص هذا النص العام بفعل الصحابي.
ولكن هذا ليس بصحيح، بل إن بعض العلماء قال: إن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه لا يخصص عموم قوله، وممن ذهب إلى هذا الأخير: الشوكاني رحمه الله، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا) ، هذا الحديث عام في الصحراء والبنيان، وحديث ابن عمر: (رقيت يوماً على بيت حفصة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة) ، وهو يقتضي أنه لا بأس باستدبار الكعبة إذا كان الإنسان في البنيان، فمن العلماء من قال: العبرة بعموم اللفظ: (لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها) وفعل الرسول هذا لا يخصص العام؛ لاحتمال أن يكون هذا خاصاً به، وأن له عذراً، أو أنه نسي أو ما أشبه ذلك.
المهم أن هذه القاعدة -أيضاً- وهي أن بعض العلماء يقول: فعل الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخصص قوله، فيقدم عموم قوله على خصوص فعله للاحتمالات التي ذكرناها، ولكن الصحيح أن فعله صلى الله عليه وسلم يخصص قوله؛ لأن الكل سنة، فإن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم قوله وفعله وإقراره، أما فعل غيره فلا يخصص قوله.