العاقل ضده المجنون، فالمجنون لا يجب عليه الحج، ولا يصح منه؛ لأنه فاقد الوعي ولا نية له.
وأما المستطيع، فالاستطاعة نوعان: استطاعة بالبدن، واستطاعة بالمال، فمن لم يكن مستطيعاً بماله فإنه لا يلزمه الحج كالفقير، والمدين، وما أشبههما، ولهذا نُطمئن المدينين بأنه لا حج عليهم، ولم يفرضه الله عليهم، وهم حتى الآن لم يكونوا أهلاً لفريضة الحج عليهم، ونقول: لا تقلقوا، أليس الرجل الفقير لا تلزمه الزكاة؟
صلى الله عليه وسلم بلى.
لا تلزمه الزكاة، ومع ذلك لا يقلق، ولا يقول: ليتني كنت غنياً حتى أؤدي الزكاة، وكذلك أيضاً الإنسان الذي لا يستطيع الحج لوجود دين عليه، نقول له: لا تقلق يا أخي، حتى الآن لم تكن أهلاً للفريضة، ولو مت للقيت الله عز وجل غير آثم؛ لأنها لم تجب عليك، ولكن مع الأسف أن بعض الناس اليوم يرتكبون خطأ، فتجده مغرقاً بالدين، وربما يكون دينه حالاً فيذهب ويحج، مع أن الحج في هذه الحالة غير واجب عليه، فيأتي شيئاً غير واجب، ويدع شيئاً واجباً، والريال أو الدرهم الذي تنفقه في الحج أنفقه في قضاء الدين فهو خير لك.
والدين ليس بالأمر الهين حتى يتهاون به الإنسان، فإنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم إليه ميت وعليه دين ولم يخلف قضاءً امتنع من الصلاة عليه ولم يصل عليه، وسئل عن الشهادة -يعني: عن الرجل يقتل في الجهاد شهيداً- هل يكفر عنه بالشهادة؟ فقال: (نعم، وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدين، فإن جبريل قال لي ذلك) .
فالشهادة على فضلها لا تكفر الدين، لهذا يجب على الإنسان ألا يتهاون به، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشد الفقير الذي قال: (ليس عندي مهر فلم يقل له: استلف للمهر، وإنما قال له: التمس ولو خاتماً من حديد، قال: لا أجد.
قال: هل معك شيء من القرآن؟ قال: نعم.
قال: اذهب فقد ملكتها بما معك من القرآن) فلم يأذن له ولم يرشده إلى أن يستدين من أجل أن يتزوج مع أن الزواج واجب على الإنسان إذا كان ذا شهوة، ويخاف على نفسه.
فالذي أرجوه من إخواني أن يحرصوا غاية الحرص على إبراء ذممهم وعدم إشغالها بالدين، فإن ذلك من السفه في التصرف، ومن الخطأ في الناحية الدينية، ولا ينبغي للإنسان أن يستدين سلفاً أو غير سلف إلا إذا كانت هناك ضرورة أو شيء لا بد منه، أو إنسان يعلم أنه سيوفي عن قرب، كرجل يحتاج في أثناء الشهر شيئاً ويعلم أنه في آخر الشهر سيحصل على الراتب مثلاً ويوفي دينه، فهذا أمر سهل.
أما الاستطاعة بالبدن في الحج: فأن يكون الإنسان قادراً على أداء الحج بلا مشقة شديدة، فإن كان عاجزاً نظرنا؛ إن كان عجزه يرجى زواله، كإنسان جاء في وقت الحج وهو مريض مرضاً عادياً، فلينتظر حتى يبرأ ويحج، وإن كان عجزاً لا يرجى زواله كمرض السرطان مثلاً -نسأل الله لنا ولكم السلامة- فهنا نقول له: استنب من يحج عنك ما دام عندك المال، فيوكل شخصاً يحج عنه وتبرأ ذمته بذلك إذا حج عنه.
هذا ما أردنا أن نتكلم عليه حول هذا الموضوع، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من دعاة الحق وأنصاره، ونسأله تعالى أن ينصر إخواننا المسلمين في كل مكان على أعدائهم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تنبيه: بالنسبة للسلام هل هو مشروع أن يسلم الإنسان وهو حاضر؟ وهل كان الصحابة إذا أراد أحد منهم أن يسأل الرسول عليه الصلاة والسلام عن شيء قال: السلام عليك يا رسول الله، ثم يسأل؟ الجواب: لا.
ولهذا لا حاجة للسلام لأن المسلم معنا، وإنما يسأل، فلا حاجة إلى أن يستفتح سؤاله بالسلام.