تفسير قوله تعالى: (والذي قدر فهدى)

قوله تعالى: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى:3] قدر كل شيء عز وجل كما قال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان:2] قدره في حاله وفي مآله، وفي ذاته وفي صفاته، كل شيء له قدر محدود، الأجل محدود، والأحوال محدودة، والأجسام محدودة، كل شيء مقدر تقديراً كما قال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان:2] وقوله: {فَهَدَى} يشمل الهداية الشرعية والهداية الكونية.

الهداية الكونية: أن الله هدى كل شيء لما خلق له، قال فرعون لموسى: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:49-50] تجد أن كل مخلوق قد هداه الله تعالى لما يحتاج إليه، انظر للطفل إذا خرج من بطن أمه وأراد أن يرضع، هل هناك أحد يقول له: ارفع رأسك والقم ثدي أمك؟ لا.

لكن يهديه الله عز وجل إلى هذا الثدي يرتضع منه.

انظر إلى أدنا الحشرات النمل مثلاً، أين تضع بيوتها؟ لا تضع بيوتها إلا في مكان مرتفع من الأرض على ربوة من الأرض، لماذا؟ لأنها تخشى من السيول أن تدخل بيوتها فتفسدها، وأيضاً إذا جاء المطر وكان في جحورها أو في بيوتها طعام من الحبوب تخرج به، فإذا طلعت الشمس تنشره، لماذا؟ لئلا يعفن، وهي قبل أن تدخره تأكل أطراف الحبة؛ لئلا تنبت فتفسد عليها، هذا شيء مشاهد فمن الذي هداها لذلك؟ هداها الله عز وجل، وهذه هداية كونية أنه هدى كل مخلوق لما يحتاج إليه.

أما الهداية الشرعية -وهي الأهم بالنسبة لبني آدم- فهي: الدلالة على شرع الله، وقد بينها الله عز وجل على وجه تقوم به الحجة، حتى الكفار قد هداهم الله -يعني: بين لهم- قال الله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت:17] يعني: استحبوا الكفر على الإيمان والعياذ بالله، والهداية الشرعية هي المقصودة من حياة بني آدم، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] وإنما أخبرنا الله بذلك لأجل أن نلجأ إليه في جميع أمورنا، إذا علمت أنه هو الخالق بعد العدم، وأصابك مرض إلى من تلجأ؟ إلى الله، الجأ إلى الله؛ لأنه هو الذي خلقك وأوجدك من العدم، وهو قادر على أن يصحح بدنك، ولا حرج أن تتناول ما أباح الله لك من الدواء، لكن مع اعتقاد أن هذا الدواء سبب من الأسباب جعله الله عز وجل، وإذا شفيت بهذا السبب فمن الذي شفاك؟ الله عز وجل هو الذي جعل هذا الدواء سبباً لشفائك، لو شاء لجعل هذا الدواء سبباً لهلاكك، فإذا علمنا أن الله هو الخالق؛ فنحن نلجأ في أمورنا كلها إليه عز وجل.

إذا علمنا أنه هو الهادي؛ فإننا نستهدي بهدايته -بشريعته- حتى نصل إلى ما أعد لنا ربنا عز وجل من الكرامة.

نسأل الله تعالى أن يهدينا وإياكم صراطه المستقيم، وأن يحلنا وإياكم دار كرامته، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين.

وإلى هنا ينتهي الكلام على هذه الآيات الكريمة، وأحثكم مرة أخرى على تعلم معاني آيات القرآن إذا شئتم أن تنتفعوا به حقيقة، لكن من العلماء الموثوقين أو من تفاسير العلماء الموثوقين؛ لأن الناس تكلموا في كلام الله وبحثوا في معانيه، لكن منهم من هدي إلى الصراط المستقيم، ومنهم من حصل له انحراف لسبب من الأسباب؛ إما لقصور علمه، أو فهمه أو سوء نيته؛ لأن الإنسان قد يحرم الصواب بسبب سوء النية والعياذ بالله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015