Q يا شيخ! هناك شباب يجلسون في حوش، وبينهم وبين المسجد تقريباً كيلو أو كيلو إلا ربع، ويصلون بنفس الحوش، ويقولون: هل تجب علينا صلاة الجماعة؟! مع العلم أن بعضهم يخرج ويصلي مع الجماعة، فيصيروا متفرقين، بعضهم يصلي في الحوش، وبعضهم يصلي خارج الحوش! ثم بماذا تنصحهم على ذَهاب أوقات كثيرة عليهم من بعد العصر حتى الحادية عشرة أو الثانية عشرة ليلاً وهم جالسون جلوساً لا ثمرة فيه ولا فائدة؟
صلى الله عليه وسلم هذه الظاهرة التي ذكرها السائل قد كان منها أن فتح الناس ما يسمى بالاستراحات، فعمروا أحواشاً وفيها شيءٌ من الأشجار أو النباتات، وصاروا يخرجون إليها من بعد صلاة العصر إلى منتصف الليل، أو قريباً من منتصف الليل، والغالب أنهم لا يحصلون على فائدة إلا مجرد ضياع الوقت، وأُنْسُ بعضِهم ببعض، وما أشبه ذلك، وقد تشتمل هذه الجلسات على شيء محرم، فقد سمعنا أن في بعض هذه الاستراحات دشوشاً، تلك التي لا يشك أحدٌ اليوم في أنها تدمر الأخلاق، وتدمر الأديان؛ لأنها تلتقط ما يُشاهَد على شاشة التلفاز بواسطتها مِمَّا يُبَث في البلاد الفاسدة من بلاد الكفر وغيرها.
فيكون عندهم هذا الدش، ثم يبقون يشاهدون ما يشاهدون فيه من المفاسد والمنكرات، فيزدادون بُعداً من الله -والعياذ بالله-وتسهل عليهم الأمور المنكَرة؛ لأنهم يمارسونها ويشاهدونها، ومن المعلوم أن من اعتاد على شيء هان عليه، ويقال في المثل السائر: (مع كثرة الإمساس يقل الإحساس) .
فهذه الاستراحات يحصل فيها مثل هذه المفاسد، وتحصل فيها مفسدة أخرى أيضاً وهي: ترك الصلاة مع الجماعة، فتجد هذا المكان قريباً من المسجد، ومع ذلك لا يصلون في المسجد، وإنما يصلون في مكانهم، مع أنهم يمكن أن يذهبوا إلى المسجد بكل راحة، ويرجعوا إلى المكان بكل راحة، فهم ليسوا كالذين هم في دائرة عمل، لو خرجوا إلى المسجد لتفرقوا ولتوزعوا ولتعطل العمل، أو في المدرسة لو خرج الطلاب إلى المسجد لانتثروا في المسجد، ولأساءوا إلى أهل المسجد، أو لتفرقوا إلى أهليهم ولم يصلوا، بمعنى: أننا لو عذرنا أصحاب المكاتب وأصحاب المدارس إذا صلوا في مكاتبهم ومدارسهم فإننا لن نعذر هؤلاء؛ لأن هؤلاء عدد محصور يمكن أن يذهبوا جميعاً ويرجعوا جميعاً، فلا عذر لهم -فيما نرى- في ترك الصلاة في المساجد، حتى لو صلوا جماعة؛ فإن ذلك لا يكفي عن حضور المسجد، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لقد هممتُ أن آمر بالصلاة فتُقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرِّق عليهم بيوتهم بالنار) .
قال: (إلى قوم) ، مع أن هؤلاء القوم ربما يقيمون الجماعة في مكانهم؛ لكن أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحضروا إلى المسجد.
وقال لرجل حين استأذنه في ترك الحضور: (هل تسمع النداء؟ قال: نعم، قال: فأجب!) .
فلو تبلغهم -جزاك الله خيراً- عني بأنه يجب عليهم أن يصلوا في المسجد ثم يرجعوا إلى مكانهم.
وكذلك أوجه النصيحة إلى من وضع الدش في هذه الاستراحات، وأقول له: اتقِ الله في نفسك، لا تكن سبباً لدمار الأخلاق، وفساد الأديان بما يُشاهَد في هذه الدشوش.
كما أنِّي -بالمناسبة- أحذر صاحب كل بيت من أن يضع في بيته مثل هذا الدش؛ لأنه سوف يُخَلِّفه بعد موته.
وإنِّي أسأل واضعَ الدش في بيته وهو يرى هذه المنكرات التي تُبَثُّ منه: هل هو بهذا ناصحٌ لبيته وأهله أم أنه غاشٌّ لهم؟! سيكون الجواب ولا بد: أنه غاش، إلا أن يكون ممن طبع الله على قلبه فلا يحس، فهذا شيء آخر؛ لكن سيقول: إنه غاش، فأقول له: اذكر قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (ما من عبد استرعاه الله على رعية، فيموت حين يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه الجنة) .
فأنت الآن إذا مت وقد وضعت لأهلك هذا الدش الذي لا يَشُكُّ أحدٌ أنه غِشٌّ في البيت فإن البيت فيه نساء وفيه سفهاء من الصغار، لا يتحاشون الشيء المحرم، بمعنى أنه لو فُرِضَ أن إنساناً عاقلاً عنده هذا الدش، وليس في البيت أحد، ويقول: أنا أريد أن أطالع ما فيه مصلحة لي، أو أطالع أخبار الناس؛ ولكن إذا جاءت الأمور المنكَرة أقفلتُه، لو قال أحدٌ هكذا، لقلنا: ربما يكون لا بأس به، مع أنه على خطر أنَّ نفسَه تستدرجه فيقع في الهلاك، وعلى خطر من أنه إذا بقي بعد موته فسيرثه من لا يستخدمه إلا استخداماً سيئاً، ثم هو لا يدري متى يموت! لذلك نصيحتي لإخواني أن يبتعدوا عن هذا الدش، وأن يفروا منه فرارهم من الأسد، وإلا فكيف يليق بالإنسان أن يأتي بشيء يدمر أخلاقه وأخلاق أهله؟! نسأل الله العافية، اللهم عافنا.
السائل: فكيف يستفيد من وقته؟ الشيخ: أما قضاء الوقت، فتعرفون أن الوقت طويل من صلاة العصر إلى قريبٍ من منتصف الليل، لا سيما في أيام الصيف، فإن وقت العصر يطول، فهم لو كان عندهم مثلاً مسبح يقضون الوقت في السباحة، أو عندهم مثلاً أهداف يترامون عليها ولو بالبندقية الصغيرة التي تسمى (أم الحبة) ، وكذلك لو قضوا وقتهم في سباق على الأقدام، فكل هذا عمل طيب مريح للنفس، ثم يقرءون ما تيسر من كتب العلم النافعة، أو كتب القصص النافعة، وأهم من ذلك كله أيضاً أن يقرءوا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسِيَر خلفائه الراشدين.