Q كثير من المقيمين في هذا البلد وأكثرهم من المدرسين الذين يذهبون في الإجازة إلى بلادهم وهم من إحدى الدول العربية، فتكون لهم لحى فإذا أرادوا السفر حلقوها فلما نصحناهم أتوا بحجة قوية قالوا: نحن إذا أبقيناها أوذينا وربما نلقى في المعتقلات ومعنا أطفال وزوجات، فيقع الإنسان في حيرة معهم، فبماذا ننصحهم بارك الله فيكم؟
صلى الله عليه وسلم إذا كنت ترى أن حجتهم قوية فالقوي يُعتمد، لكن نحن نرى أنها ليست بقوية، وذلك أن الله تعالى يقول في كتابه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} [العنكبوت:10] فارتد وترك ما كان عليه مما أوذي عليه، هذه واحدة فنقول: اصبر واحتسب ثم نقول: أنت إذا اتقيت الله جعل لك مخرجاً، فكم من أناس نعرفهم نحن يذهبون إلى البلاد التي تشير إليها ومع ذلك لا يقال لهم شيء، يذهبون وهم ملتحون ويرجعون وهم على ما هم عليه ولا يقال لهم شيء.
فهذه الحكومات الظالمة الجائرة -نسأل الله أن يبدل المسلمين خيراً منهم- إذا لم تر الإنسان يتكلم فيهم أو له حركة فإنها لا تهتم، يكون متديناً أو غير متدين، يهمها أن أحداً تكون له حركة وله دعوة، فلذلك ربما يقبضون على شخص ليس له لحية، يحلق لحيته صباحاً ومساءً، ولكننا نعلم أن هؤلاء إنما سلطوا على المسلمين بسبب ذنوبهم، وإلا فمن يتصور أن أحداً يتولى على أمة مسلمة ثم يرغمها على عصيان الرسول عليه الصلاة والسلام، من يتصور هذا؟! ولكن الذنوب والمعاصي هي التي أوجبت أن يتسلط علينا هؤلاء، قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام:129] .
فهؤلاء ما سلطوا على الأمة الإسلامية إلا بسبب أن الأمة الإسلامية انحرفت عن مسارها الصحيح، وإلا لكان حكامها مثلها، ويذكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رجلاً من الخوارج أتى إليه قال: [يا علي! ما بال الناس معك يفعلون ويفعلون وكانوا مع أبي بكر وعمر سامعين مطيعين؟ قال له: لأن رجال أبي بكر وعمر أنا وأمثالي، ورجالي أنت وأمثالك] وهذا صحيح.
وقيل أن عبد الملك بن مروان سمع الناس يتكلمون فيه، ويتكلمون في ولايته، فجمع أشراف القوم وأعيان البلد وتكلم معهم بكلام فصيح، وقال لهم: أنتم تريدون أن نكون لكم مثل أبي بكر وعمر، فكونوا أنتم مثل رجال أبي بكر وعمر حتى نكون نحن مثل أبي بكر وعمر.
فلو فكرت في هؤلاء القوم الذين سلط عليهم هؤلاء الولاة لوجدت عندهم من البلاء والشر ما لا يعلمه إلا رب العباد، حتى إن بعض الثقات قدم أخيراً من بعض البلاد العربية وقال: إني والله كنت العام الماضي في وسط لندن ولم أر تبرج النساء في لندن كتبرجهن في هذه البلاد التي تسمى بلاداً إسلامية، أيُنا أحق بالستر والحجاب، نحن أم النصارى؟ نحن أحق، ومع ذلك هذه بلادنا، فإذا كان الشعب مثل هكذا فكيف لا يُسلط عليهم الولاة؟ فنسأل الله أن يصلح رعيتنا ورعاتنا، ويقينا وإياكم شر الفتن.