قال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق:21] أي: لا يخضعون لله عز وجل، فالسجود هنا بمعنى الخضوع لله، وإن لم تسجد على الأرض؛ لكن يسجد قلبك لله ذلاً وخضوعاً إذا سمعت آياته، وجرب نفسك -يا أخي- إذا تُلي عليك القرآن هل قلبك يسجد ويلين ويذل؟ إن كان الأمر كذلك فأنت من المؤمنين الذين إذا تليت عليهم آيات ربهم زادتهم إيماناً، وإن لم يكن قلبك كذلك ففيك شبه من المشركين الذين إذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون.
ومن علامات الخضوع لله عز وجل عند قراءة القرآن: أن الإنسان إذا قرأ آية فيها سجدة سجد لله ذلاً وخضوعاً، وقد استدل بعض العلماء بهذه الآية على وجوب السجود -أي: سجود التلاوة- وقالوا: إن الإنسان إذا مر بآية سجدة ولم يسجد كان آثماً، والصحيح أنها ليست بواجبة وإن كان هذا القول -أعني: القول بالوجوب- هو مذهب أبي حنيفة واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، لكن هذا قول مرجوح.
وذلك أنه ثبت في الصحيح أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس يوماً فقرأ سورة النحل فلما وصل إلى آية السجدة نزل من المنبر فسجد ثم قرأها من الجمعة الثانية فمر بها ولم يسجد، فقال رضي الله عنه: [إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء] وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد، وسنته رضي الله عنه من السنن التي أُمرنا باتباعها، وعلى هذا فالقول الراجح أن سجود التلاوة ليس بواجب لكنه سنة مؤكدة.
فإذا مررت بآية فاسجد في أي وقت كنت، في الصباح، أو في المساء، أو في الليل، أو في النهار، تكبر عند السجود وإذا رفعت فلا تكبر ولا تسلم، هذا إذا سجدت خارج الصلاة، أما إذا سجدت في الصلاة فلا بد أن تكبر إذا سجدت، وأن تكبر إذا نهضت؛ لأنها لما كانت في الصلاة كان لها حكم سجود الصلاة.
قال الله تعالى: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ * وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ} [الانشقاق:22-23] ونقتصر على هذا؛ لأن الوقت الباقي نجعله للأسئلة وبقية السورة فإننا نتركها للجلسة القادمة، إن شاء الله.