حكم الجهاد في هذا العصر

Q أرجو أن تبين مدى حاجة المجتمع الإسلامي للجهاد في سبيل الله؟

صلى الله عليه وسلم هذه الحاجة بينها الله عز وجل في كتابه فقال: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال:39] فالناس في حاجة إلى قتال الكفار الآن حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، ولكن هل يجب القتال، أو هل يجوز القتال مع عدم القدرة عليه؟ الجواب: لا يجب، بل ولا يجوز أن نقاتل ونحن غير مستعدين له، والدليل على هذا أن الله عز وجل لم يفرض على نبيه وهو في مكة أن يقاتل المشركين، وأن الله أذن لنبيه في صلح الحديبية أن يعاهد المشركين ذلك العهد الذي إذا تلاه الإنسان ظن أن فيه خذلاناً للمسلمين.

كثير منكم يعرف كيف كان صلح الحديبية حتى قال عمر بن الخطاب: (يا رسول الله! ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قال: فلم نعط الدنّية في ديننا؟) فظن هذا خذلاناً، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم لا شك أنه أفقه من عمر، وأن الله تعالى أذن له في ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: (إني رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري) .

انظر الثقة الكاملة في هذه الحالة الضنكة الحرجة، يعلن هذا ويقول: (لست أعصيه، وهو ناصري) سيكون ناصراً لي، وإن كان ظاهر الصلح أنه خذلان للمسلمين، وهذا يدلنا على مسألة مهمة، وهي: قوة ثقة المؤمن بربه، فهذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الحال الحرجة يقول: (وهو ناصري) .

وفي قصة موسى عليه السلام لما لحقه فرعون وجنوده وكان أمامهم البحر وخلفهم فرعون وجنوده، ماذا قال أصحابه؟ قالوا: إنا مدركون، قال: كلا.

لا يمكن أن ندرك {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] سيهديني لشيء يكون فيه الإنقاذ، وحصل الإنقاذ وحصل هلاك فرعون وقومه.

فالمهم: أنه يجب على المسلمين الجهاد حتى تكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله، لكن الآن ليس بأيدي المسلمين ولا يستطيعون جهاد الكفار، حتى ولا جهاد مدافعة في الواقع.

جهاد المهاجمة -لا شك- أنه الآن غير ممكن حتى يأتي الله عز وجل بأمة واعية تستعد إيماناً ونفسياً ثم عسكرياً، أما ونحن على هذا الوضع فلا يمكن أن نجاهد أعداءنا، ولذلك انظر إلى إخواننا في جمهورية البوسنة والهرسك ماذا يفعل بهم النصارى؛ يمزقونهم أشلاءً، وينتهكون حرماتهم، وقيل لنا: إنهم يذبحون الطفل أمام أمه، ويجبرونها على أن تشرب من دمه، نعوذ بالله! شيء لا يتصور الإنسان أنه يقع، ومع ذلك فإن الأمم النصرانية تماطل وتتساهل وتعد وتُخلف؛ والأمة الإسلامية ليس لها إلا التنديد القولي دون الفعلي، من بعضها لا من كلها، وإلا فلو أن الأمة الإسلامية فعلت شيئاً ولو قليلاً مما تقدر عليه لأثر ذلك، لكن مع الأسف أننا نقف وكأننا متفرجون لاسيما بعض ولاة الأمور في الأمة الإسلامية، الشعوب معها شعور، معها حركة قلبية، لكن لا يكفي هذا، والله إن الإنسان كلما ذكر إخوانه هناك تألم لهم ألماً شديداً، لكن ماذا نعمل؟ نشكو إلى الله عز وجل، ونسأل الله تعالى أن يقيم علم الجهاد في الأمة الإسلامية حتى نقاتل أعداءنا وأعداء الله لتكون كلمة الله هي العليا.

فالآن الخلاصة في الجواب: أن الجهاد واجب (حتى لا تكون فتنة) أي: صد عن سبيل الله، ولا يستطيع أعداء المسلمين أن يدعوا لدينهم، ويكون الدين كله لله، ولكن هذا بشرط أن يكون عندنا قدرة، وليس عندنا الآن قدرة، حتى ولا قدرة الدفاع مع الأسف، فكيف بقدرة المهاجمة، ولما كان المسلمون على الحق، ويعتمدون على رب العزة والجلال، ويمسكون المصحف بيد والرمح بيد، ويقدمون المصحف على الرمح فتحوا مشارق الأرض ومغاربها، وبدأ الناس يأتون إليهم من كل جانب {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً} [النصر:1-2] .

فبدأ الناس يقبلون على الإسلام؛ لأن الإسلام دين الفطرة، والقيم العالية، والأخلاق الفاضلة، فلو عرض للناس، وصور لهم نظرياً وتطبيقياً؛ ما أرادوا سواه، لكن -مع الأسف- المسلمون اليوم أكثر همهم ماذا عندك من المال؟ وكيف قصرك وبيتك؟ وكيف سيارتك؟ هذا أكثر حال الناس -مع الأسف- ولهذا تجد الغش في المعاملات، والكذب، والخداع، والمكر وكل شيء؛ لأن الناس شغلوا بما خلق لهم عما خلقوا له، نحن خلقنا للعبادة، وخلق لنا ما في الأرض جميعاً؛ فشغلنا بما خلق لنا عما خلقنا له، نسأل الله أن يحيينا وإياكم حياة طيبة، وأن يبدل الحال بخير منه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015