الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني لشهر صفر عام (1414هـ) ، في يوم الخميس العاشر من شهر صفر.
نبدأ كالعادة بالكلام على ما تيسر من كتاب الله سبحانه وتعالى، ونحن قد انتهينا من تفسير سورة النبأ إلى آخر المطففين.
يقول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق:1] وقد تقدم الكلام على البسملة، وبينا أن البسملة آية من كتاب الله مستقلة، وليست من السورة التي قبلها، ولا من السورة التي بعدها، وإنما يؤتى بها في ابتداء السور إلا سورة براءة، وليست آية من الفاتحة، وإن كان المكتوب في المصاحف أنها آية، لكن القول الراجح الذي هو مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وعليه عامة أصحابه؛ أنها ليست آية من الفاتحة وهو الذي دل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين؛ قال: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم؛ قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين؛ قال: مجدني عبدي، وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم؛ قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) .
وعلى هذا فتكون الآية الأولى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، والثانية: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ، والثالثة: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ، والرابعة: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، والخامسة: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) ، والسادسة: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ، والسابعة: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) .
وهذا كما أنه الموافق لما دلت عليه السنة فهو الموافق أيضاً للسورة لفظاً ومعنى: أما لفظاً: فلتناسب الآيات في الطول؛ لأنه لو كانت صراط الذين أنعمت عليهم إلى آخر السورة آية واحدة لم تتناسب مع ما قبلها في الطول، وأيضاً لو كانت آية؛ لم تكن {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] وسط الآيات بل تقع على هذا التقدير الخامسة؛ فالآيات الثلاث الأولى كلها لحق الله عز وجل، والآيات الثلاث الأخيرة كلها لحق الإنسان، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6-7] ، والآية الرابعة الوسطى بين الله وبين العبد، هذا هو القول الراجح في أن الفاتحة أولها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] .