ثم قال الله عز وجل: {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين:27-28] مزاج هذا الشراب الذي يُسقاه هؤلاء الأبرار (من تسنيم) ، أي: من عينٍ رفيعة حساً؛ وذلك لأن (أنهار الجنة تفجر من الفردوس؛ والفردوس هو أعلى الجنة، وأوسط الجنة، وفوقه عرش الرب عز وجل) كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا الشراب يمزج بهذا الطيب الذي يأتي من التسنيم؛ أي: من المكان المسنّم الرفيع العالي، وهو جنة عدن.
وقوله تعالى: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين:28] أي: أن هذه العين والمياه النابعة والأنهار الجارية يشرب بها المقربون.
وهنا سيقول قائل: لماذا قال: (يشرب بها) ؟ هل هي إناء يحمل حتى يقال: شرب بالإناء؟
صلى الله عليه وسلم لا.
لأن العين والنهر لا يُحمل، إذاً لماذا لم يقل: يشرب منها المقربون؟ والجواب عن هذا الإشكال من أحد وجهين: الوجه الأول: فمن العلماء من قال: إن (الباء) بمعنى (من) فمعنى (يشرب بها) ، أي: يشرب منها.
الوجه الثاني: ومنهم من قال: إن يشرب ضُمنت معنى يروى، فمعنى (يشرب بها) أي: يُروى بها المقربون، وهذا الوجه أحسن من الوجه الذي قبله؛ لأن هذا الوجه يتضمن شيئين يرجحانه وهما: أولاً: إبقاء حرف الجر على معناه الأصلي.
ثانياً: أن الفعل (يشرب) ضُمِّن معنىً أعلى من الشرب وهو الريُّ.
فكم من إنسان يشرب ولا يروى، لكن إذا روى فقد شرب، وعلى هذا فالوجه الثاني أحسن وهو أن يُضمن الفعل (يشرب) معنى يروى.