كيف يطمع في البقاء وما من الأنبياء إلا من مات أم كيف يؤمن هجوم المنايا ولم يسلم الأصفياء والأحباء هيهات هيهات.

قد مات كل نبي ... ومات كل بنيه

ومات كل شريف ... وعاقل وسيفه

لا يوحشنك طريق ... كل الخلائق فيه

أول ما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم من انقضاء عمره باقتراب أجله بنزول سورة: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1] وقيل لابن عباس رضي الله عنهما: هل كان يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم متى يموت؟ قال: نعم قيل: ومن أين؟ قال: إن الله تعالى جعل علامة موته هذه السورة: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1] يعني فتح مكة {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً} [النصر:2] ذلك علامة موته وقد كان نعى نفسه إلى فاطمة عليها السلام فإن المراد من هذه السورة: أنك يا محمد إذا فتح الله عليك البلاد ودخل الناس في دينك الذي دعوتهم إليه أفواجا فقد اقترب أجلك فتهيأ للقائنا بالتحميد والإستغفار فإنه قد حصل منك مقصود ما أمرت به من أداء الرسالة والتبليغ وما عندنا خير لك من الدنيا فاستعد للنقلة إلينا قال ابن عباس: لما نزلت هذه السورة نعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه فأخذ في أشد ما كان اجتهادا في أمر الآخرة وروي في حديث: "إنه تعبد حتى صار كالشن البالي" وكان يعرض القرآن كل عام على جبريل مرة فعرضه ذلك العام مرتين وكان يعتكف العشر الأواخر من رمضان كل عام فاعتكف فيه ذلك العام عشرين وأكثر من الذكر والإستغفار.

قالت أم سلمة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ولا يذهب ولا يجيء إلا قال "سبحان الله وبحمده" فذكرت ذلك له فقال: "إني أمرت بذلك" وتلا هذه السورة وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول قبل موته: سبحان الله وبحمده استغفر الله وأتوب إليه فقلت له: إنك تدعو بدعاء لم تكن تدعو به قبل اليوم؟ قال: "إن ربي أخبرني أنني سأرى علما في أمتي وإني إذا رأيته أن أسبح بحمده وأستغفره وقد رأيته" ثم تلا هذه السورة إذا كان سيد المحسنين يؤمر بأن يختم أعماله بالحسنى فكيف يكون حال المذنب المسيء المتلوث بالذنوب المحتاج إلى التطهير من لم ينذره باقتراب أجله وحي أنذره الشيب وسلب أقرانه بالموت.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015