عز وجل فهذا هو الباطل ولذلك سأل هرقل عن هذه الأوصاف واستدل بها على صدقه فيما ادعاه من النبوة والرسالة.
وقوله تعالى: {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} [آل عمران: 164] يعني يتلو عليهم ما أنزله الله عليه من آياته المتلوة وهو القرآن وهو أعظم الكتب السماوية وقد تضمن من العلوم والحكم والمواعظ والقصص والترغيب والترهيب وذكر أخبار من سبق وأخبار ما يأتي من البعث والنشور والجنة والنار ما لم يشتمل عليه كتاب غيره حتى قال بعض العلماء لو أن هذا الكتاب وجد مكتوبا في مصحف في فلاة من الأرض ولم يعلم من وضعه هناك لشهدت العقول السليمة أنه منزل من عند الله وأن البشر لا قدرة لهم على تأليف ذلك فكيف إذا جاء على يدي أصدق الخلق وأبرهم وأتقاهم وقال إنه كلام الله وتحدى الخلق كلهم أن يأتوا بسورة مثله فعجزوا فيه فكيف مع هذا شك ولهذا قال تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] وقال: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت: 51] فلو لم يكن لمحمد صلى الله عليه وسلم من المعجزات الدالة على صدقه غير هذا الكتاب لكفاه فكيف وله من المعجزات الأرضية والسماوية مالا يحصى.
وقوله: {وَيُزَكِّيهِمْ} [البقرة: 129] : يعني إنه يزكي قلوبهم ويطهرها من أدناس الشرك والفجور والضلال فإن النفوس تزكوا إذا طهرت من ذلك كله ومن زكت نفسه فقد أفلح كما قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس:9] وقال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى:14] وقوله: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [البقرة: 129] : يعني بالكتاب: القرآن والمراد ويعلمهم تلاوة ألفاظه ويعني بالحكمة: فهم معاني القرآن والعمل بما فيه فالحكمة هي: فهم القرآن والعمل به فلا يكفي بتلاوة ألفاظ الكتاب حتى يعلم معناه ويعمل بمقتضاه فمن جمع له ذلك كله فقد أوتي الحكمة قال تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} [البقرة: 269] .
قال الفضيل: العلماء كثير والحكماء قليل وقال: الحكماء ورثة الأنبياء فالحكمة هي العلم النافع الذي يتبعه العمل الصالح وهو نور يقذف في القلب يفهم بها معنى العلم المنزل من السماء ويحض على اتباعه والعمل به ومن قال الحكمة: السنة فقوله الحق لأن السنة تفسر القرآن وتبين معانيه وتحض على اتباعه.