الحال فمنهم من كان لا يضحك أبدا ومنهم من كان يقول: لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة لفسد.
والثاني: من يستحضر ذكر الله وعظمته وثوابه وعقابه بقلبه ويدخل ببدنه في مصالح دنياه من اكتساب الحلال والقيام على العيال ويخالط الخلق فيما يوصل إليهم به النفع مما هو عبادة في نفسه كتعلم العلم والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهؤلاء أشرف القسمين وهم خلفاء الرسل وهم الذين قال فيهم علي رضي الله عنه: صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمجل الأعلى.
وقد كان حال النبي صلى الله عليه وسلم عند الذكر يتغير ثم يرجع بعد انقضائه إلى مخالطة الناس والقيام بحقوقهم.
ففي مسند البزار ومعجم الطبراني عن جابر رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي قلت: نذير قوم فإذا سري عنه فأكثر الناس ضحكا وأحسنهم خلقا وفي مسند الإمام أحمد عن علي أو الزبير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا فيذكرنا بأيام الله حتى نعرف ذلك في وجهه وكأنه نذير جيش يصحبهم الأمر غدوة وكان إذا كان حديث عهد بجبريل لم يتبسم ضاحكا حتى يرتفع عنه.
وفي صحيح مسلم عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب وذكر الساعة اشتد غضبه وعلا صوته منذر جيش يقول صبحكم ومساكم.
وفي الصحيحين عن عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا النار" قال: وأشاح ثم قال: "اتقوا النار" ثم أعرض وأشاح ثلاثا حتى ظننا أنه ينظر إليها ثم قال: "اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة" وسئلت عائشة كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا مع نسائه؟ قالت: كان كرجل من رجالكم إلا أنه: كان أكرم الناس وأحسن الناس خلقا وكان ضحاكا بساما فهذه الطبقة خلفاء الرسل عاملوا الله بقلوبهم وعاشروا الخلق بأبدانهم كما قالت رابعة:
"ولقد جعلتك في الفؤاد محدثي ... وأبحت جسمي من أراد جلوسي
فالجسم مني للجليس مؤانس ... وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي
المواعظ سياط تضرب القلوب فتؤثر في القلوب كتأثير السياط في البدن والضرب لا يؤثر بعد انقضائه كتأثر في حال وجوده لكن يبقى أثر التأليم بحسب قوته وضعفه فكلما قوي الضرب كانت مدة بقاء الألم أكثر.
كان كثير من السلف إذا خرجوا من مجلس سماع الذكر خرجوا وعليهم.