هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتمنين الموت إلا من وثق بعمله" فالمطيع لله مستأنس بربه فهو يحب لقاء الله والله يحب لقاءه والعاصي مستوحش بينه وبين مولاه وحشة الذنوب فهو يكره لقاء ربه ولا بد له منه قال ذو النون: كل مطيع مستأنس وكل عاص مستوحش وفي هذا يقول بعضهم:
أمستوحش أنت مما جنيت ... فاحسن إذا شئت واستأنس
قال أبو بكر الصديق لعمر رضي الله عنهما في وصيته له عند الموت: أن حفظت وصيتي لم يكن غائب أحب إليك من الموت ولا بد لك منه وإن ضيعتها لم يكن غائب أكره إليك من الموت ولن تعجزه قال أبو حازم: كل عمل تكره الموت من أجله فاتركه ثم لا يضرك متى مت العاصي يفر من الموت لكراهية لقاء الله وأين يفر من هو في قبضة من يطلبه.
أين المفر والإله الطالب ... والمجرم المغلوب ليس الغالب
سئل أبو حازم: كيف القدوم على الله؟ قال: أما المطيع فقدوم الغائب على أهله المشتاقين إليه وأما العاصي فكقدوم الآبق على سيده الغضبان.
رؤي بعض الصالحين في النوم فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: خيرا لم ير مثل الكريم إذا حل به مطيع الدنيا كلها شهر صيام المتقين وعيد فطرهم يوم لقاء ربهم كما قيل:
وقد صمت عن لذات دهري كلها ... ويوم لقائكم ذاك فطر صيامي
ومنها: تمني الموت على غير الوجوه المتقدمة فقد اختلف العلماء في كراهيته واستحبابه وقد رخص فيه جماعة من السلف وكرهه آخرون وحكى بعض أصحابنا عن أحمد في ذلك روايتين ولا يصح فإن أحمد إنما نص على كراهة تمني الموت لضرر الدنيا وعلى جواز تمنيه خشية الفتنة في الدين وربما أدخل بعضهم في هذا الإختلاف القسم الذي قبله وفي ذلك نظر واستدل من كرهه بعموم النهي عنه كما في حديث جابر الذي ذكرناه وفي معناه أحاديث أخر يأتي بعضها إن شاء الله تعالى وقد علل النهي عن تمني الموت في حديث جابر بعلتين:
إحداهما: أن هول المطلع شديد وهول المطلع: هو ما يكشف للميت عند حضور الموت من الأهوال التي عهد له بشيء منها في الدنيا من رؤية الملائكة