من الفرائض فانصب وعنه قوله: {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: 8] قال: في المسألة وأنت جالس وقال الحسن: أمره إذا فرغ من غزوة أن يجتهد في الدعاء والعبادة فالأعمال كلها يفرغ منها والذكر لا فراغ له ولا انقضاء والأعمال تنقطع بانقطاع الدنيا ولا يبقى منها شيء في الآخرة والذكر لا ينقطع المؤمن يعيش على الذكر ويموت عليه وعليه يبعث.
أحسبتموا أن الليالي غيرت ... عهد الهوى لا كان من يتغير
يفنى الزمان وليس يفنى ذكركم ... وعلى محبتكم أموت وأحشر
قال ذو النون: ما طابت الدنيا إلا بذكره ولا الآخرة إلا بعفوه ولا الجنة إلا برؤيته.
بذكر الله ترتاح القلوب ... ودنيانا بذكراه تطيب
إذا ذكر المحبوب عند حبيبه ... ترنح نشوان وحن طروب
فأيام التشريق يجتمع فيها للمؤمنين نعيم أبدانهم بالأكل والشرب ونعيم قلوبهم بالذكر والشكر وبذلك تتم النعم وكلما أحدثوا شكرا على النعمة كان شكرهم نعمة أخرى إلى شكر آخر ولا ينتهي الشكر أبدا.
إذا كان شكري نعمة الله نعمة ... علي له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله ... وإن طالت الأيام واتصل العمر
في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنها أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل" إشارة إلى أن الأكل في أيام الأعياد والشرب إنما يستعان به على ذكر الله تعالى وطاعته وذلك من تمام شكر النعمة أن يستعان بها على الطاعات وقد أمر الله تعالى في كتابه بالأكل من الطيبات والشكر له فمن استعان بنعم الله على معاصيه فقد كفر نعمة الله وبدلها كفرا وهو جدير أن يسلبها كما قيل:
إذا كنت في نعمة فارعها ... فإن المعاصي تزيل النعم
وداوم عليها بشكر الإله ... فشكر الإله يزيل النقم
وخصوصا نعمة الأكل من لحوم بهيمة الأنعام كما في أيام التشريق فإن هذه البهائم مطيعة وهي مسبحة له قانتة كما قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الاسراء: 44] وإنها تسجد له كما أخبر بذلك في سورة النحل وسورة الحج وربما كانت أكثر ذكرا لله من بعض بني آدم وفي المسند مرفوعا: