وقد قيل: إنما يفضل العمل فيها على الجهاد إذا كان العمل فيها مستغرقا لأيام العشر فيفضل على جهاد في عدد تلك الأيام من غير العشر وإن كان العمل مستغرقا لبعض أيام العشر فهو أفضل من جهاد في نظير ذلك الزمان من غير العشر واستدل على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل العمل الدائم الذي لا يفتر من صيام وصلاة معادلا للجهاد في أي وقت كان فإذا وقع ذلك العمل الدائم في العشر كان أفضل من الجهاد في مثل أيامه لفضل العشر وشرفه ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: دلني على عمل يعدل الجهاد؟ قال: أجده قال "لا هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر" قال: ومن يستطيع ذلك ولفظه للبخاري ولمسلم معناه وزاد ثم قال: "مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله الذي لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع المجاهد في سبيل الله" وللبخاري: "مثل المجاهد في سبيل الله والله أعلم بمن يجاهد في سبيله كمثل الصائم القائم" وللنسائي: "كمثل الصائم القائم الخاشع الراكع الساجد" ويدل على أن المراد تفضيله على جهاد في مثل أيامه خاصة: ما في صحيح ابن حبان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة" فقال رجل: يا رسول الله هو أفضل أم عدتهن جهاد في سبيل الله؟ قال: "هو أفضل من عدتهن جهادا في سبيل الله" فلم يفضل العمل في العشر إلا على الجهاد في عدة أيام العشر لا مطلقا.
وأما ما تقدم من أن كل يوم منه يعدل سنة أو سنتين أو ألف يوم فكلها من أحاديث الفضائل وليست بقوية ثم إن أكثر ما ورد ذلك في صيامها والصيام له خصوصية في المضاعفة فإنه لله والله يجزي به فإن قيل: إنه لا يختص بالصوم بل يعم سائر الأعمال فإنما يدل على تفضيل كل عمل في العشر على مثل ذلك العمل في غيره سنة فلا يدخل فيه إلا تفضيل من جاهد في العشر على من جاهد في غيرها سنة.
وإذا قيل يلزم من تفضيل العمل في هذا العشر على كل عشر غيره أن يكون صيام هذا العشر أفضل من صوم عشر رمضان وقيام لياليه أفضل من قيام لياليه؟ قيل: أما صيام رمضان فأفضل من صيامه بلا شك فإن صوم الفرض أفضل من النفل بلا تردد وحينئذ فيكون المراد أن ما فعل في العشر في فرض فهو أفضل مما فعل في عشر غيره من فرض غيره من فرض فقد تضاعف صلواته المكتوبة على صلوات عشر