لا سيما عند غلبة الجهل والتعبد به أفضل من التطوع بأعمال الجوارح قال ابن مسعود رضي الله عنه: أنتم في زمان العمل فيه أفضل من العلم وسيأتي زمان العلم فيه أفضل من العمل وقال مطرف: فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة وخير دينكم الورع وخرجه الحاكم وغيره مرفوعا ونص كثير من الأئمة على: أن طلب العلم أفضل من صلاة النافلة وكذلك الإشتغال بتطهير القلوب أفضل من الإستكثار من الصوم والصلاة مع غش القلوب ودغلها ومثل من يستكثر من الصوم والصلاة مع دغل القلب وغشه كمثل من بذر بذرا في أرض دغلة كثيرة الشوك فلا يزكو ما ينبت فيها من الزرع بل يمحقه دغل الأرض ويفسده فإذا نظفت الأرض من دغلها زكى ما ينبت فيها ونما قال يحيى بن معاذ: كم من مستغفر ممقوت وساكت مرحوم هذا استغفر وقلبه فاجر وهذا سكت وقلبه ذاكر وقال غيره: ليس الشأن فيمن يقوم الليل إنما الشأن فيمن ينام على فراشه ثم يصبح وقد سبق الركب من سار على طريق الرسول صلى الله عليه وسلم ومنهاجه وإن اقتصد فإنه يسبق من سار على غير طريقه وإن اجتهد.
من لي بمثل سيرك المذلل ... تمشي رويدا وتجيء في الأول
والمقصود أن هذا الباهلي لما رآه النبي صلى الله عليه وسلم وقد أنهكه الصوم وغير هيئته وأضر به في جسده أمره: أولا: أن يقتصر على صيام شهر الصبر وهو شهر رمضان فإنه الشهر الذي افترض الله صيامه على المسلمين واكتفى منهم بصيامه من السنة كلها وصيامه كفارة لما بين الرمضانين إذا اجتنبت الكبائر فطلب منه الباهلي أن يزيده من الصيام ويأمره بالتطوع وأخبره أنه يجد قوة على الصيام فقال له: "صم يوما من الشهر" فاستزاده وقال: إني أجد قوة فقال: "صم يومين من الشهر" فاستزاده وقال: إني أجد قوة فقال "صم ثلاثة أيام من الشهر" قال: وألح عند الثالثة فما كاد يعني ما كاد يزيده على الثلاثة أيام من الشهر وهكذا قال لعبد الله بن عمرو بن العاص أيضا ففي صحيح مسلم عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "صم يوما من الشهر ولك أجر ما بقي" قال: إني أطيق أكثر من ذلك قال: "صم يومين ولك أجر ما بقي" قال: إني أطيق أكثر من ذلك قال: "صم ثلاثة أيام ولك أجر ما بقي" ففي هذا: أن صيام ثلاثة أيام من الشهر يحصل به أجر صيام الشهر كله وكذلك صيام يومين منه ووجه ذلك أن الصيام يضاعف ما لا يضاعف غيره من الأعمال وقد سبق ذكر ذلك عند الكلام على حديث: "كل عمل ابن آدم