كان يزيد بن عبد الملك ـ وهو الذي انتهت إليه الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز ـ له جارية تسمى حبابة وكان شديد الشغف بها ولم يقدر على تحصيلها إلا بعد جهد شديد فلما وصلت إليه خلى بها يوما في بستان وقد طار عقله فرحا بها فبينما هو يلاعبها ويضاحكها إذ رماها بحبة رمان أو حبة عنب وهي تضحك فدخلت في فيها فشرقت بها فماتت فما سمحت نفسه بدفنها حتى أراحت فعوتب على ذلك فدفنها ويقال: إنه نبشها بعد دفنها ويروى: إنه دخل بعد موتها إلى خزائنها ومقاصيرها ومعها جارية لها فتمثلت الجارية ببيت:
كفى حزنا بالواله الصب أن يرى ... منازل من يهوى معطلة قفرا
فصاح وخر مغشيا عليه فلم يفق إلى أن مضى هوي من الليل ثم أفاق فبكى بقية ليلته ومن الغد فدخلوا عليه فوجدوه ميتا قال بعض السلف: ما من حبرة إلا يتبعها عبرة, وما كان ضحك في الدنيا إلا كان بعده بكاء. من عرف الدنيا حق معرفتها حقرها وأبغضها كما قيل:
أما لو بيعت الدنيا بفلس ... أنفت لعاقل أن يشتريها
ومن عرف الآخرة وعظمتها ورغب فيها
عباد الله هلموا إلى دار لا يموت سكانها ولا يخرب بنيانها ولايهرم شبابها ولا يتغير حسنها وإحسانها هواؤها النسيم وماؤها التسنيم يتقلب أهلها في رحمة أرحم الراحمين ويتمتعون بالنظر إلى وجهه كل حين: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس:10] قال عون بن عبد الله بن عتبة: بنى ملك ممن كان قبلنا مدينة فتنوق في بنائها ثم صنع طعاما ودعا الناس إليه وأقعد على أبوابها ناسا يسألون كل من خرج هل رأيتم عيبا؟ فيقولون لا حتى جاء في آخر الناس قوم عليهم أكسية فسألوهم: هل رأيتم عيبا؟ فقالوا: عيبين فأدخلوهم على الملك فقال: هل رأيتم عيبا؟ فقالوا عيبين قال: وما هما؟ قالوا: تخرب ويموت صاحبها قال: فتعلمون دار لا تخرب ولا يموت صاحبها؟ قالوا نعم فدعوه فاستجاب لهم وانخلع من ملكه وتعبد معهم فحدث عون بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز فوقع منه موقعا حتى هم أن يخلع نفسه من الملك فأتاه ابن عمه مسلمة فقال: اتق الله يا أمير المؤمنين في أمة محمد فوالله لئن فعلت ليقتتلن بأسيافهم،