والتي تجتمع به هذه الأحاديث كلها أن تربة الجنة في لونها بيضاء ومنها ما يشبه لون الزعفران في بهجته وإشراقه وريحها ريح المسك الأذفر الخالص وطعمها طعم الخبز الحواري الخالص وقد يختص هذا بالأبيض منها فقد اجتمعت لها الفضائل كلها لا حرمنا الله ذلك برحمته وكرمه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "من يدخلها ينعم لا يبأس ويخلد لا يموت لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم" إشارة إلى بقاء الجنة وبقاء جميع ما فيها من النعيم وإن صفات أهلها الكاملة من الشباب لا تتغير أبدا وملابسهم التي عليهم من الثياب لا تبلى أبدا وقد دل القرآن على مثل هذا في مواضع كثيرة كقوله: {وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ} [التوبة: 21] وقوله تعالى: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} [الرعد: 35] وقوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [النساء: 57] في مواضع كثيرة وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من يدخل الجنة ينعم لا يبأس لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه".
وفيه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد أن لكم أن تنعموا ولا تبأسوا أبدا وأن لكم أن تصحوا وتسقموا أبدا وأن لكم أن تشبوا ولا تهرموا أبدا {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 43] " وفي رواية لغيره زيادة: "وأن تحيوا فلا تموتوا أبدا" وفي الترمذي مرفوعا: "أهل الجنة جرد مرد كحل لا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم" وعن أبي سعيد مرفوعا: "يدخل أهل الجنة أبناء ثلاثين لا يزيدون عليها أبدا".
ومن حديث علي مرفوعا: "إن في الجنة مجتمعا للحور العين يرفعن بأصوات لم يسمع الخلائق مثلها يقلن: نحن الخالدات فلا نبيد ونحن الناعمات فلا نبأس ونحن الراضيات فلا نسخط طوبى لمن كان لنا وكنا له" وخرج الطبراني من حديث ابن عمر مرفوعا: "إن مما يتغنين به الحور العين: نحن الخالدات فلا نمتنه نحن الآمنات فلا نخفنه نحن المقيمات فلا نظعنه".
ومن حديث أم سلمة مرفوعا: "أن نساء أهل الجنة يقلن: نحن الخالدات فلا نموت ونحن الناعمات فلا نبأس أبدا ونحن المقيمات فلا نظعن أبدا ونحن الراضيات فلا نسخط أبدا طوبى لمن كنا له وكان لنا" وفيما ذكره صلى الله عليه وسلم في صفة من يدخل الجنة تعريض بذم الدنيا الفانية فإنه من يدخلها وإن نعم فيها فإنه يبأس ومن أقام فيها فإنه يموت ولا يخلد ويفنى شبابهم وتبلى ثيابهم وتبلى أجسامهم.