كان النبي عليه الصلاة والسلام يحب زيداً ويحب ابنه أسامة، حتى ورد: أن رجلاً ممن لهم معرفة في القيافة، وهي: قضية معرفة الأنساب، ومعرفة الرجل، والقبيلة التي ينتسب إليها، وكان رجلاً من بني مدلج، جاء ذات يوم وأسامة وزيد رضي الله تعالى عنهما نائمان، وكان زيد أبيض وأسامة أسود، وهذا يثير الريبة عند الناس، هذا الرجل لا يعرف أن هذا زيداً ولا أن هذا أسامة؛ لأن رأسيهما قد غطيا وهو أصلاً ليس من المدينة، ولا يعلم مكانتهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما رأى أقدامهما، فقال وهو صاحب علم في هذا الشأن: هذه الأقدام بعضها من بعض، فانفرجت أسارير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل على عائشة مستبشراً فرحاً وهو يقول: (أما سمعت أن فلان المدلجي نظر إلى قدمي أسامة وزيد فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض)، وكان هذا أمام الناس تطميناً له صلى الله عليه وسلم، وإلا فهو عليه الصلاة والسلام كان يعلم أن أسامة ابن لـ زيد، وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة من أعظم من أحب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في حق أسامة: (اللهم إني أحبه فأحبه)، فنحن نعلم أنه في حجة الوداع والنبي صلى الله عليه وسلم أراد أن ينفر من عرفة إلى مزدلفة وهو على ناقته، وأهل الموقف ينتظرون أن يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتبعوه؛ لأنه لا يمكن أن ينفروا قبل إمامهم عليه الصلاة والسلام، وهو عليه الصلاة والسلام كأنه ينتظر، فتساءل الناس: ماذا ينتظر صلى الله عليه وسلم؟ فجاء أسامة بن زيد أسود نحيلاً خفيفاً ظريفاً رضي الله عنه وأرضاه، فركب ناقة نبينا صلى الله عليه وسلم، وضمه من الخلف، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم الدابة أن تمضي، فأردفه من عرفة إلى مزدلفة، وفي الطريق نزل صلى الله عليه وسلم يتوضأ ولم يصل، فذكره أسامة بالصلاة، فقال صلى الله عليه وسلم: (الصلاة أمامك) أي: في مزدلفة جمع تأخير والذي يعنينا من هذا: هو العناية المحمدية بهذا النشء والشاب، فقد كان عمره آنذاك ثمانية عشر تقريباً، الذي هو ابن زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن هنا نعلم أن القلوب أوعية، وأحياناً يجد الإنسان في قلبه محبة عظيمة لبعض من حوله تزيد على محبته لغيره، وهذه أمور يقذفها الله جل وعلا في قلب من يشاء، وأحياناً يجد الإنسان ألفة تجذبه إلى الغير، ومحبة تتبعه إلى بعض من حوله، وقد تكون محبته لبعض قرابته، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف).
والمهم في المؤمن من حيث الجملة من هذه الأخبار عن زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه وأرضاه: أن يكون محباً للناس، محباً لغيره، يحب لهم ما يحب لنفسه، وهذا من دلائل صفاء قلبه، وسلامة معتقده، وهو من دوافع وبراهين الإخوة الإيمانية.
هذا ما تسير الحديث عنه، وتهيأ إعداده عن زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.