لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعباً

ومما يدل على هذا: أن الله قال: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف:18]، وهذا من رحمة الله بهم، ولهذا أسند الله التقليب إلى ذاته العلية، حتى لا تأكلهم الأرضة، وإذا أراد الله شيئاً هيأ أسبابه، قال: {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} [الكهف:18]، يقول الله في سورة القمر: {وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} [القمر:3]، فكل شيء -يا أخي- له نهاية.

وهنا قال الله جل وعلا: {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ} [الكهف:19]، فبعثهم نهاية وانقضاء لما كتبه الله جل وعلا عليهم من النوم مدة هذه من السنين الطوال، فقال الله جل وعلا: {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ} [الكهف:19]، وهم كلهم قد لا يتجاوزون الثمانية الأشخاص: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ} [الكهف:19] وهذه (كم) استفهامية هنا تحتاج إلى جواب، وقد تأتي في القرآن خبرية لا تحتاج إلى جواب، كقول الله جل وعلا: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ} [مريم:74]، فالمقصود: الإنباء والإخبار عن كثرة القرون التي أهلكها الله جل وعلا.

هنا يقول ربنا: {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ} [الكهف:19]، فلما كان لا بد من جواب قالوا: {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [الكهف:19]، والناس يتداولون فيما بينهم: أن أصحاب الكهف طالت أظافرهم، وأشعارهم، واحدودبت ظهورهم، وتغيرت هيئاتهم؛ ولهذا قالوا: هذا معنى قول الله: {لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} [الكهف:18]، وهذا غير صحيح؛ لأن الآية التي بين أيدينا ناطقة أنهم لم يتغير فيهم شيء بدليل أن الله بين أنهم لما تلقوا ذلك السؤال كان الجواب منهم -وهم قوم زادهم الله هدى- كما أنبأ من قبل: {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [الكهف:19]، ومحال أن يقول أحد منهم: لبثنا يوماً أو بعض يوم وهم يرون أنفسهم قد طالت أظفارهم أو أشعارهم أو احدودبت ظهورهم أو خطهم الشيب، فلما انتسى كل ذلك كان بدهياً أن يقبل أن يقال: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [الكهف:19].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015