إن الناس في زماننا يشاهدون الضيم الذي تعانيه الأمة، وحالة الانكسار التي تكاد تكون جلية ظاهرة في تاريخ الأمة في عصرنا إلا في بعض المواطن، وفي نفس الوقت يسمعون عن غيب موعود؛ أي أن الأمة ما بين الواقع المشهود والغيب المنشود؛ فالواقع المشهود قد لا يساعد الكثيرين على التفاؤل وهذا خطأ فيهم، والغيب المنشود على أن الأمة ستعلو، وهذا وعد من النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، بل وعد من الله {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة:33] فانقسم الناس في هذا الأمر إلى ثلاثة أقسام: قسم يقول: لا حاجة للسعي ولا حاجة للبذل، ولا حاجة للتربية؛ لأن الأمة لا محالة ستنتصر، وهذا وعد! ويريدون منا أن نركن إلى الكسل، وهذا محال، ومطلب غير صحيح، وفقه غير مستقيم.
وقسم يقول: لا نريد أن نؤمن بهذا الغيب كله، ولا تحدثونا عن المهدي، ولا عن الوعد، ولا عن عيسى بن مريم؛ لأن هذا يجعلنا نتكل كما اتكل الأولون ولهذا أرادوا أن يردوا تلك الأحاديث حتى لا يصيب الناس نوع من التصديق، وهذا خلاف الحق؛ لأن هذه البشارات يجب أن تزرع فينا التفاؤل.
القسم الثالث: من الناس من يستبشر بتلك الوعود الإلهية والوعود المحمدية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، وفي نفس الوقت لا يركن إليها ركوناً كلياً، ولا يكسل عن العمل للدين، بل يعمل.
ثم إنه ينبغي أن يُعلم أن المهدي لن يكون أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم قطعاً، بل لن يكون أفضل من أبي بكر وعمر، ولا من كبار الصحابة، بل لن يكون أفضل منهم كلهم على هذا فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم احتاج بقدر الله إلى أن يعينه الأصحاب رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، حتى بنى دولة الإسلام في ثلاث وعشرين سنة لبنة لبنة، إذاً فما حال المهدي؟ وما المهدي إلا أحد أتباع نبينا صلى الله عليه وسلم، فالنظرة الموزونة العقلانية التي تعتمد على ضوء النقل من الكتاب والسنة هي التي تعيننا على السير في مثل هذه المنعطفات التي عادة ما يختصم الناس فيها -كما قلنا- بين واقع مشهود وغيب منشود.