الأعشى، والنابغة، وامرؤ القيس كل هؤلاء أكبر رموز شعراء الجاهليين، ويمكن أن يضاف إليهم عنترة، وهم أكثر من ذلك، والبعض أوصلهم إلى العشرة، وبعضهم يقف عند السبعة.
إن عنترة اشتهر بشجاعته، وله قصيدة مشهورة مطلعها: هل غادر الشعراء من متردم أم هل عرفت الدار بعد توهم يا دار عبلة بالجواء تكلمي وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي دار منعمة غليظ طرفها طيق العناق لذيذة المتنسم هذا عنترة من أكثر الناس ذيوعاً، ومن الناس إلى اليوم في تاريخنا العربي ينسبون كل شجاعة إلى عنترة، كما ينسبون كل سخاء إلى حاتم، وكما ينسبون كل ذكاء إلى إياس، وكما ينسبون كل فكاهة إلى أشعب، وغير ذلك.
وهذا شيء بدهي أن يجعل الناس رمزاً من الرموز فتفيء إليه بكل ما يتعلق بالرمز الذي وضع له.
إن عنترة عرف بشجاعته، ولده أبوه من جارية، والإنسان من حيث انتسابه ينسب إلى أفضل أبويه ديناً، وينسب إلى أمه حرية أو عبودية، وفي المطعم والمشرب كما في الدواب ينسب إلى الأخبث، ولذلك لحم البغال لا يؤكل؛ لأنه ينسب إلى الحمار ولا ينسب إلى الخيل.
تعلق عنترة بـ عبلة كما هو مشهور ذائع، لكن الذي يعنينا هو الأبيات التي قالها، والتي كان يبين فيها شجاعته وعفة نفسه في نفس الوقت: هلا سألت الخيل يا ابنة مالك إن كنت جاهلة بما لم تعلم يخبرك من شهد الوقيعة أنني أغشى الوغى وأعف عند المغنم أغش الوغى أي: الحرب، وأعف عند المغنم: هذا مدح عظيم، فإذا اقتسم الناس الغنائم وهبوا إلى فتات الدنيا عفت نفسي وأحجمت، أما عندما يكون الموضع ساحة قتال لا يبرز فيه إلا الشجعان ولا يتقدم إلا الفرسان يقول: كنت أقرب منه؛ لأنه يجد في ذلك راحة نفسية.
يقول: ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها قيل الفوارس ويك عنتر أقدم وقد نسب إلى عنترة حادثة طريفة بصرف النظر عن صحة هذه الحادثة، فالعاقل يزن خطواته ولا يضع قدمه اليمنى حتى يعلم قبل أين سيضع قدمه اليسرى.
كان العبسيون إذا داهمهم العدو يدعون عنترة، كما قال في شعره، فيفزع إليهم ويفك ما أصابهم، وفي يوم خرج ثور هائج فتنحى عنترة إلى جبل هارباً من الثور، فقيل له: يا عنترة مثلك يفر من الثور! قال: ومن يفهم الثور أني أنا عنترة! هذه الحكاية على طرافتها لها معان عظيمة: وهي أن الإنسان ينبغي أن يكون عاقلاً، وليس كل ميدان يقتحمه، وليس كل مقال يصلح لكل مقام.
هذا ما تهيأ إيراده حول المعلقات وتيسر إعداده.
وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضى، وألبسني الله وإياكم لباسي العافية والتقوى، وصل الله على محمد وعلى آله والحمد لله رب العالمين.