الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره، واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن عنوان هذا اللقاء هو: المسجد النبوي، وهو ضمن سلسلة لطائف المعارف.
المسجد النبوي أحد المساجد الثلاثة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الرحال لا تشد إلا إليها، المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، وقد رفع الله شأن هذه المساجد فقال جل شأنه: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} [النور:36 - 37].
المسجد النبوي هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن ندرك أن الله جل وعلا اختار البلدة المباركة طيبة ليهاجر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث دخلها النبي صلى الله عليه وسلم ضحى الإثنين، فأسس في جنوبها مسجد قباء، ثم مكث فيها الثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة، ثم أتى داخل البلدة حتى بركت ناقته القصواء في موضع المنبر اليوم، ثم لم ينزل صلى الله عليه وسلم فقامت الناقة فجال جولة صلى الله عليه وسلم، ثم عادت الناقة بعد أن جالت جولة إلى مدركها الأول، ثم نزل صلى الله عليه وسلم بعد أن أخذ أبو أيوب الأنصاري متاعه وقال عليه الصلاة والسلام: (المرء مع رحله)، في تلك البقعة أسس صلى الله عليه وسلم وبنى مسجده والصحابة معه، وهم يرتجزون: لئن قعدنا والنبي يعمل إن هذا لهو العمل المضلل وهو صلى الله عليه وسلم يجيبهم: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة وسأتكلم عن واقع المسجد النبوي الآن، حتى إذا كتب لك أن تزور هذا المسجد تكون -على الأقل- على علم بكثير مما فيه.
المسجد اليوم فيه ثلاثة محاريب، المحراب الذي يصلي فيه الأئمة الآن، وهو محراب بناه عثمان بن عفان رضي الله عنه، وتحرر من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر لم يصلوا في هذا المحراب؛ لأن المحراب من جهة الجنوب في التوسعة التي وسعها عثمان بن عفان الخليفة الراشد رضي الله عنه وأرضاه، وأقره الصحابة وصلوا وراءه في ذلك الزمان، هذا المحراب الأول.
المحراب الثاني: يوجد في الروضة الشريفة، وهو موضع صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ذلك المكان كان صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس إماماً، وهذا الموطن في الروضة الشريفة إذا استقبلته استقبلت القبلة، وتكون حجرة عائشة التي فيها القبور الثلاثة على شمالك، ويكون منبره صلى الله عليه وسلم عن يمينك.
وحجرة عائشة فيها القبور الثلاثة، قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر أبي بكر وقبر عمر.
المحراب الثالث: المحراب الذي خارج الروضة عن يمينك وأنت مستقبل القبلة، أي غرب المسجد، وهذا المحراب لا يتعلق به شيء قديم أثري، إنما هو محراب بناه أحد سلاطين آل عثمان، وهو الآن خارج الروضة شرق المسجد النبوي.
والمكان المفروش الآن باللون الأخضر هو ما يسمى بالروضة الشريفة، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)، هذه الروضة اختلف في سبب تسميتها روضة، والأظهر من أقوال أهل العلم أنها قطعة من الجنة.
هذا الذي يحمل عليه الحديث؛ لأننا إذا حملنا معنى روضة على أنها التي يقام فيها دروس العلم عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: يا رسول الله! وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر)، فهذا لا يقتصر على ذلك المكان الطاهر، وإنما يكون في كل مكان يذكر فيه الله جل وعلا وتقام فيه حلق الذكر، وعلى هذا نقول: إن الأظهر أنها روضة من رياض الجنة أي: قطعة من الجنة.