الحمد لله الذي أحكم كل شيء خلقه وأحسن كل شيء صنعه، وأشهد أن لا إله إ لا الله، لا رب غيره ولا شريك معه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن عنوان هذا اللقاء: القمران.
ندرك أن الصناعة العربية يكثر فيها ما يسمى بالتغليب، والتغليب أن يؤتى إلى اثنين، فيعمد إلى تسميتهما بأحدهما، لاشتراك كثير بينهما، ثم إن التغليب له طرائقه، يعني: يختلف من حال إلى حال لأسباب، فمثلاً: يقال للسبطين الكريمين الحسن والحسين يقال لهما: الحسنان؛ لأن الحسن أكبر من الحسين، ويقال لمكة والمدينة المكتان؛ لأن مكة عند جمهور العلماء أفضل من المدينة، ويقال للشمس والقمر القمران؛ لأن القمر مذكر والشمس مؤنث، قال المتنبي: وما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للهلال ولو كل النساء كمن فقدنا لفضلت النساء على الرجال.
الذي يعنينا أنهم قالوا: القمران؛ لأنهم القمر مذكر والشمس مؤنث، وقد يقال غير ذلك، يقال: العمران في حق أبي بكر وعمر، ونسب إلى عمر؛ لأن لفظ أبي بكر مركب تركيب إضافي، واسم عمر مفرد.
وسنتحدث عن القمرين، الشمس والقمر.
فنقول والله الموفق: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، مخلوقتان لله تبارك وتعالى، خلقهما الله جل وعلا، جعل أحدهما آية مبصرة، وهي الشمس، وجعل الآخر منهما آية ممحوة وهي القمر، وقال جل وعلا يخبر عن عظيم صنعته وجليل قدرته: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:38 - 40].
الشمس جعلها الله جل وعلا آية للحياة المعيشية، والغرس والحصاد مبني على البروج الشمسية، وثمة أنوا من الحبوب والثمار لها مواسم معينة تزرع فيها، ولها مواسم معينة تحصد فيها.
أنا لست أنسى قريتي السمراء في عود الحصاد والسنبل المتجمد الشرقي يحلم بالرقاد وخطى الكماة الكادحين تروح تضرب في ارتياد هي ذكريات لم تزل محفورة في خاطري هي ذكريات لم تزل تسقي خريف الشاعر يا واحة العمر الجديد على الطريق الساحر أنا عائد يوماً إليك مع الربيع الزاخر في نسمة الشمس الوضيـ ـئة ثم النسيم العابر في لهفة خفقت بها روح المحب الذاكر الغاية: أن هناك مواسم غرس، ومواسم حصاد مبنية على بروج الشمس، أما القمر فقد جعله الله جل وعلا ميقاتاً لحياتنا الدينية، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:189]، (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته)، فالقمر جعله الله جل وعلا عنواناً وميقاتاً لحياتنا المتعلقة بالعبادة.
هذا من الفوارق بين الشمس والقمر.