بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شعار ودثار ولواء أهل التقوى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله خير من صلى وصام، أفضل شافع ومشفع في عرصات يوم المحشر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: ففي هذا اليوم نزدلف إلى عالم الأدب والشعر، ولئن كان الفرزدق وجرير رمزين كبيرين لشعراء العصر الأموي: كما كان أبو تمام والمتنبي والبحتري رموزاً عظيمة للشعر العباسي، فإن أحمد شوقي وحافظ إبراهيم رمزان كبيران للشعر العربي المعاصر.
يقول أهل الصناعة الأدبية: إن الشعر العربي جملة أصابه مرحلة من الانحطاط، ثم إنه بعث على يد محمود كامل البارودي أديب مصري معاصر، وذلك أن البارودي رُزق قدرة على أن يتأسى ويحتفي بالشعراء الكبار في عصر بني العباس وبني أمية، فعارضهم في شعره فارتقى الشعر، ونتج عن ذلك مدرسة أدبية تسمى مدرسة الإحياء، كان من أكبر أعلامها وأكبر شعرائها أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، في هذا اللقاء سنأخذ شيئاً من المقارنة ما بين هذين الشاعرين الكبيرين في تاريخ شعرنا وأمتنا العربية.
أما أحمد شوقي فنقول إجمالاً كلمة واحدة: لو قُدِّر أننا أردنا أن نختار ممن خلقهم الله من قد نالوا أمانيهم شبه كاملة في الدنيا لكان شوقي واحداً منهم، فـ شوقي نشأ وفي فمه ملعقة من ذهب فقد نشأ في بيت الخديوي إسماعيل ولذلك قال: أأخون إسماعيل في أبنائه ولقد ولدت بباب إسماعيل نشأ صغيراً عيناه يصعدان إلى أعلى، يعني: ينظر إلى أعلى كثيراً، فما الطريقة التي عالجوه بها؟ أتوه بجنيهات ذهب تبرق، مما دفعه لأن ينظر إلى أسفل فاعتدل بصره؛ هذا الرجل أعطي حظا كبيراً من الحياة، ولذلك لم يستطع يوماً أن يلقي شعره؛ لذا كان يكتبه وغيره يلقيه، أما هو فلا يستطيع أن يلقيه، ومع ذلك فقد أبدع في كل فن وجال في كل غرض، وتحقق في كل غاية، وقال شعراً في جميع الفنون، أظهر فيه علو كعبه وقدرته الشعرية، سواء كان في غرض الرثاء، أو غرض الاجتماعيات، أو غرض المدح، أو غرض السياسة، أو غرض الفخر، أو غرض الغزل، في جميع أغراض الشعر أما حافظ إبراهيم فهو معاصر لـ شوقي، إلا أن حافظ مات قبل شوقي بعام أو عام ونصف تقريباً، وسيأتي هذا -إن شاء الله تعالى- عند حديثنا عنه في آخر المقام.