[فصل] الأغنياء أنفقوا من نعمهم على عاقبتهم. والفقراء أنفقوا من هممهم على منابتهم «1» ويقال العبد بقلبه وببدنه وبماله، فبإيمانهم بالغيب قاموا بقلوبهم، وبصلاتهم قاموا بنفوسهم، وبإنفاقهم قاموا بأموالهم، فاستحقوا خصائص القربة من معبودهم، وحين قاموا لحقّه بالكلية استوجبوا كمال الخصوصية.
قوله جلّ ذكره:
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)
إيمانهم بالغيب اقتضى إيمانهم بالقرآن، وبما أنزل الله من الكتب قبل القرآن، ولكنه أعاد ذكر الإيمان هاهنا على جهة التخصيص والتأكيد، وتصديق الواسطة صلّى الله عليه وسلّم فى بعض ما أخبر يوجب تصديقه فى جميع ما أخبر، فإن دلالة صدقه تشهد على الإطلاق دون التخصيص، وإنما أيقنوا بالآخرة لأنهم شهدوا على الغيب فإن حارثة لما قال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كيف أصبحت؟ قال: أصبحت مؤمنا بالله حقا، وكأنى بأهل الجنة يتزاورون وكأنى بأهل النار يتعاوون «2» وكأنى بعرش ربى بارزا فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أصبت فالزم.
وهذا عامر بن عبد القيس يقول: «لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا» . وحقيقة اليقين التخلص عن تردد التخمين، والتقصي عن مجوزات الظنون.
قوله جلّ ذكره:
[سورة البقرة (?) : آية 5]
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)
يعنى على بيان