ويقال للجناية: سراية فمن كان في الجناية مختارا فليس تسلم له دعوى الاضطرار عند سراية جرمه الذي سلف منه وهو مختار فيه، فأكثر الناس يتوهمون أنهم مضطرون، وذلك الاضطرار سراية ما بدر منهم في حال اختيارهم.
ومادام العبد يتوهم من نفسه شيئا من الحول والحيلة، ويرى لنفسه شيئا من الأسباب يعتمد عليه أو يستند إليه- فليس بمضطر، فالمضطرّ يرى نفسه كالغريق في البحر، أو الضّالّ فى المتاهة، وهو يرى عنانه بيد سيّده، وزمامه في قبضته، فهو كالميت بين يدى غاسله، وهو لا يرى لنفسه استحقاقا للنجاة لاعتقاده في نفسه أنه من أهل السخط، ولا يقرأ اسمه إلا من ديوان الشقاوة (?) .
ولا ينبغى للمضطر أن يستعين بأحد في أن يدعو له لأنّ الله وعد الإجابة له..
لا لمن يدعو له.
ثم كما وعد المضطرّ الإجابة وكشف السوء وعده بقوله: - « ... وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ» .
فإنّ مع العسر يسرا، ولم يقل: للعسر إزالة، ولكن قال: مع العسر يسر فنهار اليسر حاصل بعد ظلام العسر.
ثم قال: «أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ» لأنّ العبد إذا زال عسره، وكشف عنه ضرّه نسى ما كان فيه، وكما قال القائل:
كأنّ الفتى لم يعر يوما إذا اكتسى ... ولم يك صعلوكا إذا ما تموّلا