كالأنعام التي ليس لها همّ إلّا فى أكلة وشربة، ومن استجلب حظوظ نفسه فكالبهائم. وإنّ الله- سبحانه- خلق الملائكة وعلى العقل جبلهم، والبهائم وعلى الهوى فطرهم، وبنى آدم وركّب فيهم الأمرين فمن غلب هواه عقله فهو شرّ من البهائم، ومن غلب عقله هواه فهو خير من الملائكة.. كذلك قال المشايخ.
قوله جل ذكره:
أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (45) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (46)
قيل نزل الرسول- صلى الله عليه وسلم- فى بعض أسفاره وقت القيلولة فى ظل شجرة وكانوا خلقا كثيرا فمدّ الله ظلّ تلك الشجرة حتى وسع جميعهم وكانوا كثيرين، فأنزل الله هذه الآية، وكان ذلك من جملة معجزاته عليه السلام.
وقيل إن الله فى ابتداء النهار قبل طلوع الشمس يجعل الأرض كلّها ظلا، ثم إذا طلعت الشمس، وانبسط على وجه الأرض شعاعها فكلّ شخص يبسط له ظلّ، ولا يصيب ذلك الموضع شعاع الشمس، ثم يتناقص إلى وقت الزوال، ثم يأخذ فى الزيادة وقت الزوال.
وذلك من أمارات قدرة الله تعالى لأنه أجرى العادة بخلق الظلّ والضوء والفيء.
قوله: «وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً» : أي دائما. «ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً» أي حال ارتفاع الشمس ونقصان الظّلّ.
ويقال: ألم تر إلى ربك كيف مدّ ظل العناية على أحوال أوليائه فقوم هم فى ظل الحماية، وآخرون فى ظل الرعاية، وآخرون فى ظل العناية، والفقراء فى ظل الكفاية، والأغنياء فى ظل الراحة من الشكاية.
ظل هو ظل العصمة، وظل هو ظل الرحمة فالعصمة للأنبياء عليهم السلام ثم للأولياء، والرحمة للمؤمنين، ثم فى الدنيا لكافة الخلائق أجمعين. ويقال قوله للنبى صلى الله عليه وسلم:
«أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ» ثم قوله: «كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ» سترا لما كان كاشفة به أولا، إجراء للسّنّة