القشيري موصول بالغزالي لا بطريق المصنفات التي خلّفها وحسب بل بطريق السّند الذي يمثله الجويني.
وفى مجال الحياة العملية نجد القشيري يضطلع بأعمال تتفق واستعداده وثقافته، فقد اشتغل بالتدريس فى مسجد المطرز وهو فى الثلاثين من عمره ويتضح ذلك من هذا النص:
«كنت فى ابتداء وصلتي بالاستاذ أبى علىّ- رضى الله عنه- عقد لى المجلس فى مسجد المطرز، فاستأذنته وقتا للخروج إلى «نسا» ، فكنت أمشى معه يوما فى طريق مجلسه، فخطر ببالي: ليته ينوب عنّى فى مجالسى أيام غيبتى.... إلخ» الرسالة ص 116.
وإلى جوار ذلك كان القشيري يعكف على التأليف دون انقطاع فانتهى من التفسير الكبير المعروف (بالتيسير في التفسير) قبل عام 410 هـ، ومن اللطائف عام 434، ومن الرسالة عام 437 واستمر يمارس هذا النشاط فى دأب لا يعرف الكلال حتى وصلت كتبه إلى خمسة وعشرين كتابا أو نحوها، ومن أهمها إلى جوار ما سبق: ترتيب السلوك، والتحبير فى التذكير، والأربعون حديثا، وشكاية أهل السنة بحكاية ما نالهم من المحنة، واستفادات المرادات، والقصيدة الصوفية، والتوحيد النبوي، واللّمع، والفصول، والفتوّة، ونحو القلوب الصغير، والكبير، والمقامات الثلاثة، وفتوى، والمعراج.
ولم يطبع من هذه الكتب إلا النذر اليسير، وفى النية أن نقوم- بعون من الله- بإخراج ما وقع لنا منها خلال رحلات طويلة عديدة، حتى يزداد الناس علما به وتقديرا له.
ولم يسلم القشيري خلال حياته من المحن والآلام، وربّما كانت أشدها جميعا ما حدث له إبّان حكم السلطان طغرل ووزيره اللعين الكندري.
كان السلطان طغرل سنيا حنفيا، ووزيره أبو نصر الكندري معتزليا رافضيا، خبيث العقيدة، ذا آراء مسرفة فى التشبيه وخلق الأفعال، والقدر، وكان متعصبا فى ذلك أشد التعصب.
وفى هذا الوقت كان بنيسابور شخصية فذّة لها فى أوساط العامة والخاصة نفوذ كبير، ومحبة فائقة، ذلكم هو الأستاذ أبو سهل بن الموفق أحد رجال الطبقة الرابعة الشافعية،