تَعَالَى: فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ؛ يَقُولُ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَحد كَذَلِكَ إِلا قَلِيلًا فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا يَنْهَوْنَ فَنَجَوْا، وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ عَلَى الِانْقِطَاعِ مِمَّا قَبْلَهُ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ؛ وَلَوْ كَانَ رَفْعًا كَانَ صَوَابًا. وَرَوَى الْمُنْذِرِيُّ عَنْ ثَعْلَبٍ قَالَ: لَوْلا ولَوْما إِذا وَلِيَتِ الأَسماء كَانَتْ جَزَاءً وأُجِيبَتْ، وَإِذَا وَلِيت الأَفعال كَانَتِ اسْتِفْهَامًا. ولَوْلاكَ ولَوْلايَ بِمَعْنَى لَوْلا أَنتَ وَلَوْلَا أَنا اسْتُعْمِلَتْ؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ:
أَيَطْمَعُ فِينا مَنْ أَراقَ دِماءَنا، ... ولَوْلاهُ لَمْ يَعْرِضْ لأَحْسابِنا حَسَنْ
قَالَ: وَالِاسْتِفْهَامُ مِثْلَ قَوْلِهِ: لَوْ مَا تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ، وَقَوْلُهُ: لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ؛ الْمَعْنَى هَلَّا أَخَّرْتَني إِلى أَجل قَرِيبٍ، وَقَدِ استَعْلَمَتِ الْعَرَبُ لَوْلا فِي الْخَبَرِ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ؛ وأَنشد:
لَوْ ما هَوَى عِرْسٍ كُمَيْتٍ لَمْ أُبَلْ
قَالَ ابْنُ كَيْسانَ: المَكْنِيُّ بَعْدَ لَوْلا لَهُ وَجْهَانِ: إِنْ شِئْتَ جِئْتَ بِمَكْني الْمَرْفُوعِ فَقُلْتَ لَوْلا هُو ولولاهُمْ وَلَوْلَا هِيَ وَلَوْلَا أَنْتَ، وَإِنْ شِئْتَ وَصَلْتَ المَكْنيَّ بِهَا فَكَانَ كَمَكْنِيِّ الخَفْضِ، وَالْبَصْرِيُّونَ يَقُولُونَ هو خفض، والفراء يَقُولُ: وَإِنْ كَانَ فِي لَفْظِ الْخَفْضِ فَهُوَ فِي مَوْضِع رَفْع، قَالَ: وَهُوَ أَقْيَسُ الْقَوْلَيْنِ، تَقُولُ: لَوْلاكَ مَا قُمْتُ ولَولايَ ولولاهُ ولولاهُم وَلَوْلَاهَا، والأَجود لَوْلَا أَنتَ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ؛ وَقَالَ:
ومَنْزِلةٍ لَوْلايَ طِحْتَ كَمَا هَوَى، ... بأَجْرامِه مِنْ قُلَّةِ النِّيقِ، مُنْهَوي
وَقَالَ رُؤْبَةُ:
وهْيَ تَرَي لَوْلا تَرى التَّحْرِيما
يَصِفُ الْعَانَةَ يَقُولُ: هِيَ تَرَي رَوْضاً لَوْلَا أَنَّها تَرَى مَنْ يُحَرِّمُها ذَلِكَ؛ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ:
ورامِياً مُبتَرِكاً مَزْكُوما ... فِي القَبْرِ لَوْلا يَفْهَمُ التَّفْهِيما
قَالَ: مَعْنَاهُ هُوَ فِي الْقَبْرِ لَوْلَا يَفْهم، يَقُولُ: هُوَ كالمَقْبُورِ إِلا أَنه يَفْهَمُ كأَنه قَالَ لَوْلَا أَنه يَفْهَمُ التَّفْهيم، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: لَوْ حَرْفُ تمنٍّ وَهُوَ لامْتِناعِ الثَّانِي مِن أَجْل امْتِناعِ الأَوَّل، تَقُولُ لَوْ جِئْتَني لأَكْرَمْتُكَ، وَهُوَ خِلَافُ إِنِ الَّتِي لِلْجَزَاءِ لأَنها تُوقعُ الثَّانِيَ مِنْ أَجْل وُقُوعِ الأَوَّل، قَالَ: وأَما لَوْلا فَمُرَكَّبَةٌ مِنْ مَعْنَى إِنْ ولَوْ، وَذَلِكَ أَنَّ لَوْلَا تَمْنَعُ الثَّانِيَ مِنْ أَجل وُجُودِ الأَوَّل؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْجَوْهَرِيِّ يَقْضِي بأَن لَوْلَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ أَن الْمَفْتُوحَةِ (?) وَلَوْ، لأَن لَوْ لِلِامْتِنَاعِ وَأَنْ لِلْوُجُودِ، فَجُعِلَ لَوْلَا حَرْفَ امْتِنَاعٍ لِوُجُودٍ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: تَقُولُ لَوْلَا زَيْدٌ لَهَلَكْنَا أَيِ امْتَنَعَ وُقُوعُ الْهَلَاكِ مِنْ أَجل وُجُودِ زَيْدٍ هُنَاكَ؛ قَالَ: وَقَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى هَلَّا كَقَوْلِ جَرِيرٍ:
تَعُدُّونَ عَقْرَ النِّيبِ أَفْضَلَ مَجْدِكُم ... بَنِي ضَوْطَرَى، لَوْلا الكَمِيَّ المُقَنَّعَا
وَإِنْ جَعَلْتَ لَوِ اسْمًا شَدَّدْتَهُ فَقُلْتَ: قَدْ أَكثرت مِنَ اللَّوِّ، لأَن حُرُوفَ المَعاني والأَسماءَ الناقصةَ إِذَا صُيِّرَتْ أَسْماء تَامَّةً بِإِدْخَالِ الأَلف وَاللَّامِ عَلَيْهَا أَو بِإِعْرابِها شُدِّدَ مَا هُوَ مِنْهَا عَلَى حَرْفَيْنِ، لأَنه يُزَادُ فِي آخِرِهِ حَرْفٌ مِنْ جِنْسِهِ فَتُدغَمُ وتُصْرَفُ، إلا