لسان العرب (صفحة 7685)

عَنْكَ وأَذاك عَنْهُمْ، وَقِيلَ: هِيَ مُفاعَلَة مِنَ العفوِ، وَهُوَ أَن يَعْفُوَ عَنِ النَّاسِ ويَعْفُوا هُمْ عَنْهُ. وَقَالَ اللَّيْثُ: الْعَافِيَةُ دِفاعُ الله تعالى عن العبد. يُقَالُ: عَافَاهُ اللهُ عَافِيَةً، وَهُوَ اسْمٌ يُوضَعُ موضِع الْمَصْدَرِ الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ المُعافاةُ، وَقَدْ جاءَت مصادرُ كثيرةٌ عَلَى فَاعِلَةٍ، تَقُولُ سَمعْت راغِيَة الإِبل وثاغِيَة الشاءِ أَي سمعتُ رُغاءَها وثُغاءَها. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَعْفاهُ اللَّهُ وعافَاهُ مُعَافاةً وعافِيَةً مصدرٌ، كالعاقِبة والخاتِمة، أَصَحَّه وأَبْرأَه. وعَفا عَنْ ذَنْبِه عَفْواً: صَفَح، وعَفا اللَّهُ عَنْهُ وأَعْفَاه. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ

؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذِهِ آيَةٌ مُشِكْلَةٌ، وَقَدْ فسَّرها ابْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ مَنْ بعدَه تَفْسِيرًا قَرَّبوه عَلَى قَدْر أَفْهام أَهل عَصْرِهِمْ، فرأَيتُ أَن أَذكُر قولَ ابْنِ عَبَّاسٍ وأُؤَيِّدَه بِمَا يَزيدهُ بَيَانًا ووُضوحاً، رَوَى مُجَاهِدٌ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ عباسٍ يَقُولُ كَانَ القصاصُ فِي بَنِي إِسرائيلَ وَلَمْ تَكُنْ فِيهِمُ الدِّيَة، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِهَذِهِ الأُمَّة: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ

؛ فالعَفْوُ: أَن تُقْبَلَ الديَةُ فِي العَمْدِ، ذَلِكَ تخفيفٌ مِنْ ربِّكم مِمَّا كُتِبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكم، يطلُب هَذَا بإِحسانٍ ويُؤَدِّي هَذَا بإحسانٍ. قَالَ الأَزهري: فَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ العَفْوُ أَن تُقْبَل الديَة فِي العَمْد، الأَصلُ فِيهِ أَنَّ العَفْو فِي مَوْضُوعِ اللُّغَةِ الفضلُ، يُقَالُ: عَفا فُلَانٌ لِفُلَانٍ بِمَالِهِ إِذا أَفضَلَ لَهُ، وعَفَا لَهُ عَمَّا لَهُ عَلَيْهِ إِذا تَرَكه، وَلَيْسَ العَفْو فِي قَوْلِهِ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ

عَفْواً مِنْ وليِّ الدَّمِ، وَلَكِنَّهُ عفوٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَلِكَ أَنَّ سائرَ الأُمَم قبلَ هَذِهِ الأُمَّة لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَخذُ الدِّية إِذا قُتِلَ قَتِيلٌ، فجعَله اللَّهُ لِهَذِهِ الأُمة عَفْواً مِنْهُ وفَضْلًا مَعَ اخْتِيَارِ وَليِّ الدمِ ذَلِكَ فِي العمْد، وَهُوَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ

؛ أَي مَن عَفا اللهُ جَلَّ اسمُه بِالدِّيَةِ حِينَ أَباحَ لَهُ أَخْذَها، بعد ما كَانَتْ مَحْظُورةً عَلَى سَائِرِ الأُمم مَعَ اخْتِيَارِهِ إِيَّاها عَلَى الدَّمِ، فَعَلَيْهِ اتِّباع بِالْمَعْرُوفِ أَي مطالبَة للدِّية بمعرُوف، وَعَلَى الْقَاتِلِ أَداءُ الديَةِ إِليه بإحْسانٍ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَقَالَ: ذَلِكَ تخفيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ لَكُمْ يَا أُمَّة محمدٍ، وفَضْل جَعَلَهُ اللَّهُ لأَوْلِياءِ الدَّمِ مِنْكُمْ، ورحمةٌ خصَّكم بِهَا، فَمَنِ اعْتَدَى أَي فَمَنْ سَفَك دَمَ قَاتِلِ وليِّه بعدَ قبولِه الدِّيَة فَلَهُ عَذَابٌ أَليم، وَالْمَعْنَى الْوَاضِحُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ

؛ أَيْ مَنْ أُحِلَّ لَه أَخذُ الدِّية بدلَ أَخيه المَقتول عفْواً مِنَ اللَّهِ وفَضْلًا مَعَ اخْتِيَارِهِ، فلْيطالِبْ بالمَعْروف، ومِن فِي قَوْلِهِ مِنْ أَخِيهِ مَعْنَاهَا الْبَدَلُ، والعَرَبُ تقولُ عرَضْتُ لَهُ مِنْ حَقِّه ثَوْباً أَي أَعْطَيْته بدَل حَقِّهِ ثَوْبًا؛ وَمِنْهُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ؛ يَقُولُ: لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا بَدَلَكُمْ مَلَائِكَةً فِي الأَرض، وَاللَّهُ أَعلم. قَالَ الأَزهري: وَمَا عَلِمْتُ أَحداً أَوضَح مِنْ مَعْنى هَذِهِ الْآيَةِ مَا أَوْضَحْتُه. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: كَانَ الناسُ مِنْ سائِر الأُمَمِ يَقْتُلون الواحدَ بالواحدِ، فَجَعَلَ اللَّهُ لَنَا نحنُ العَفْوَ عَمَّن قَتَلَ إِن شِئْناه، فعُفِيَ عَلَى هَذَا مُتَعَدٍّ، أَلا تَرَاهُ مُتَعَدِّياً هُنَا إِلى شَيْءٍ؟ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ

؛ مَعْنَاهُ إِلا أَن يَعْفُوَ النِّسَاءُ أَو يعفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَة النِّكَاحِ، وَهُوَ الزَّوْجُ أَو الوَليُّ إِذا كَانَ أَباً، وَمَعْنَى عَفْوِ المَرْأَة أَن تَعْفُوَ عَنِ النِّصْفِ الواجبِ لَهَا فتَتْرُكَه لِلزَّوْجِ، أَو يَعْفُوَ الزَّوْجُ بالنّصفِ فيُعْطِيَها الكُلَّ؛ قَالَ الأَزهري:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015