جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ
؛ أَيْ كَسَبَ ذَلِكَ العملُ لَهُمُ الخُسْرانَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ
؛ الْمَعْنَى لَا يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ، ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: جَرَم إفْكُهم وكَذِبُهم لَهُمْ عذابَ النَّارِ أَيْ كَسَبَ بهم عَذابَها. قَالَ الأَزهري: وَهَذَا مِنْ أَبْيَن مَا قِيلَ فِيهِ. الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ الْفَرَّاءُ لَا جَرَم كلمةٌ كَانَتْ فِي الأَصل بِمَنْزِلَةِ لَا بُدَّ وَلَا مَحَالَةَ، فَجَرتْ عَلَى ذَلِكَ وَكَثُرَتْ حَتَّى تَحَوَّلتْ إِلَى مَعْنَى القَسَم وَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ حَقًّا، فَلِذَلِكَ يُجَابُ عَنْهَا بِاللَّامِ كَمَا يُجَابُ بِهَا عَنِ الْقَسَمِ، أَلَا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ لَا جَرَم لَآتِيَنَّكَ؟ قَالَ: وَلَيْسَ قَوْلُ مَنْ قَالَ جَرَمْتُ حَقَقْتُ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا لَبَّسَ عَلَيْهِ الشَّاعِرُ أَبو أَسماء بِقَوْلِهِ: جَرَمْتَ فَزارة؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: أَحَقّت عَلَيْهِمُ الغضَبَ أَيْ أَحَقَّتْ الطعنةُ فَزَارَةَ أَنْ يَغْضَبُوا، وحَقَّتْ أَيْضًا: مِنْ قَوْلِهِمْ لَا جَرَمَ لأَفْعَلَنَّ كَذَا أَيْ حَقّاً؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهَذَا الْقَوْلُ ردٌّ عَلَى سِيبَوَيْهِ وَالْخَلِيلِ لأَنهما قَدَّراه أَحَقَّتْ فزارةَ الغضَبَ أَيْ بالغَضَبِ فَأَسْقَطَ الْبَاءَ، قَالَ: وَفِي قَوْلِ الْفَرَّاءِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى إِسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ فِيهِ لأَن تَقْدِيرَهُ عِنْدَهُ كسَبَتْ فَزارةَ الغضبَ عَلَيْكَ، قَالَ: وَالْبَيْتُ لأَبي أَسماء بْنِ الضَّريبة، وَيُقَالُ لعَطِية بْنِ عَفِيفٍ، وَصَوَابُهُ: ولقد طعنتَ أَبا عُيَيْنة، بِفَتْحِ التَّاءِ، لأَنه يُخَاطِبُ كُرْزاً العُقَيليَّ ويَرْثيه؛ وَقَبْلَ الْبَيْتِ:
يَا كُرْزُ إنَّك قَدْ قُتِلْتَ بفارسٍ ... بَطَلٍ، إِذَا هابَ الكُماةُ وجَبَّبُوا
وَكَانَ كُرْزٌ قَدْ طَعَنَ أَبَا عُيَيْنَةَ، وَهُوَ حِصْنُ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْر الفَزاريّ. ابْنُ سِيدَهْ: وَزَعَمَ الْخَلِيلُ أَنَّ جَرَم إِنَّمَا تَكُونُ جَوَابًا لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الْكَلَامِ، يَقُولُ الرَّجُلُ: كَانَ كَذَا وَكَذَا وَفَعَلُوا كَذَا فَتَقُولُ: لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ سَيَنْدَمُونَ، أَوْ أَنه سَيَكُونُ كَذَا وَكَذَا. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الْفَرَّاءُ وَالْكِسَائِيُّ يَقُولَانِ لَا جَرَمَ تَبْرِئةٌ. وَيُقَالُ: لَا جَرَم (?) وَلَا ذَا جَرَم وَلَا أنْ ذَا جَرَم وَلَا عَنْ ذَا جَرَم وَلَا جَرَ، حَذَفُوهُ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ إِيَّاهُ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ لَا ذَا جَرَمَ وَلَا أَنْ ذَا جَرَمَ وَلَا عَنْ ذَا جَرَمَ وَلَا جَرَ، بِلَا مِيمٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَثُرَ فِي الْكَلَامِ فَحُذِفَتِ الْمِيمُ، كَمَا قَالُوا حاشَ للهِ وَهُوَ فِي الأَصل حاشَى، وَكَمَا قَالُوا أَيْشْ وَإِنَّمَا هُوَ أيُّ شَيْءٍ، وَكَمَا قَالُوا سَوْ تَرَى وَإِنَّمَا هُوَ سوفَ تَرَى. قَالَ الأَزهري: وَقَدْ قِيلَ لَا صِلَةَ فِي جَرَم وَالْمَعْنَى كَسَبَ لَهُمْ عَمَلُهم النَّدَم؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:
يَا أُمَّ عَمْرٍو، بَيِّني لَا أَوْ نَعَمْ، ... إِنْ تَصْرمِي فراحةٌ مِمَّنْ صَرَمْ،
أَوْ تَصِلِي الحَبْلَ فَقَدْ رَثَّ ورَمّ ... قُلْتُ لَهَا: بِينِي فَقَالَتْ: لَا جَرَمْ
أنَّ الفِراقَ اليومَ، واليومُ ظُلَمْ
ابْنُ الأَعرابي: لَا جَرَ لَقَدْ كَانَ كَذَا وَكَذَا أَيْ حَقًّا، وَلَا ذَا جَرَ وَلَا ذَا جَرَم، وَالْعَرَبُ تَصِلُ كَلَامَهَا بِذِي وَذَا وَذُو فَتَكُونُ حَشْواً وَلَا يُعْتَدُّ بِهَا؛ وأَنشد:
إِنَّ كِلاباً والِدِي لَا ذَا جَرَمْ
وَفِي حَدِيثِ
قَيْس بْنِ عَاصِمٍ: لَا جَرَمَ لأَفُلَّنَّ حَدَّها
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذِهِ كَلِمَةٌ تَرِدُ بِمَعْنَى تَحْقِيقِ الشَّيْءِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَقْدِيرِهَا فَقِيلَ أَصْلُهَا التَّبْرِئَةُ بِمَعْنَى لَا بُدَّ، وَقَدِ اسْتُعْمِلَتْ فِي مَعْنَى حقّاً، وقيل: