في شوال سنة اثنتي عشرة وثمانمائة قال: الفرسيسي -إن لم يكن سماعًا: إنه كان ممن نظر في العلوم فبرع في علائها بحرًا وطلع في سمائها بدرًا وشارك في فروع الفقه وأصوله وخاض في معقول العلم ومنقوله وعني بطلب الحديث أحسن عناية فحصل بالسماع والإجازة على كثير من الرواية، وكلف بالأدب فدرت عليه ديمته وجادت له بما شاء شيمته، ثم أخذ في طرق التصوف والتسلك والتعرف بأرج سلفه الصالح والتمسك فقاضت عليه عوارفها فاجتنى غروسها يانعة واجتلى شموسا طالعة وجمع في ذلك مجموعات وأوضح في مجلسه موضوعات، إلى أن قال: ولي دار الحديث الكاملية فقام بها أحسن قيام ولم يزل معظما عند الخاص والعام متصديًّا لإبلاغ السنن وإسباغ المنن قائما بقضاء الحاج على أحسن منهاج من إرفاد مسترقد وإنجاد مستنجد والتفريج عن مكروب والتعريج على أكرم مطلوب، تلقاه بما شئت من أريحية وسجية سخية باٍد فضلها وطريقة مثلى لم يُرَ مثلها إلى أن تم حمامه وانقطع من الحياة زمامه فقضى وغص بجنازته الفضا، ولم يشهد الناس مثل يومه مشهدًا ولا وردوا كثرة مثل نعيه موردًا، وذلك في ليلة الثامن والعشرين من المحرم سنة ست وثمانين وستمائة، ودفن -رحمة الله تعالى عليه- بسفح المقطم، حضرت جنازته والصلاة عليه انتهى.
وفي هذه السنة توفي بمصر قاضي القضاة برهان الدين أبو محمد الخضر بن الحسن بن علي السنجاري الزرزاري الشافعي في صفر، وبدمشق أحد ظرفاء العالم الأديب شرف الدين سليمان بن نتيمان بن أبي الجيش الإربلي الشاعر المشهور في عاشر صفر عن تسعين سنة1 ومسند الوقت عز الدين أبو العز عبد العزيز بن عبد المنعم بن علي بن نصر بن الصيقل الحراني في رابع عشر شهر رجب وقد جاوز التسعين، وشهاب الدين أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن حمزة بن علي بن الحُبوبي2 البعلي3 الدمشقي الشاهد في شهر رجب، وبمصر الخطيب4 الحاذق الأديب عماد الدين أبو