إن لقريش درجاً تزل عنها أقدام الرجال، وأفعالاً تخشع لها رقاب الأموال، وألسناً تكل «1» عنها الشفار المشحوذة، وغايات تقصر «2» عنها الجياد المنسوبة «3» ، ثم إن ناساً منهم تخلقوا بأخلاق العوام، فصار لهم رفق في اللؤم «4» ، وخرق «5» في الحرص، لو أمكنهم قاسموا الطير أرزاقها، إن خافوا مكروهاً تعجلوا له الفقر، وإن عجّلت لهم نعمة «6» أخروا عليها الشكر، أولئك أنضاء فكر العقل «7» ، وعجزة حملة الشكر.
كتب معاوية بن أبي سفيان إلى أخيه عتبة «8» ، وهو على مصر، في أقوام يعاقبهم ولا يراجعه فيهم. فكتب إليه عتبة: «يا أمير المؤمنين، على أداء حقك أستعين الله، وبه على جميع أمري أتوكل «9» ، وأنا مقيد بكتابك، وصائرٌ إلى أمرك، ومتخذه إماماً إذا أم الحزم، فإذا خالفه فعندها لم تغب عما شهدت، ولم يدخل عليك ضرر ما فعلت، ولقد علم الناس قبلي أنّ زنادني ذكية الشعل «10» لمن عاداك، وأن جناي أحلى من العسل لمن والاك، فثق بذلك لهم