اعمل صواباً تنل بالحزم مأثرةً «1» ... فلن يُذم مع التقدير تدبيرُ
فإن هلكت مصيباً أو ظفرت بهِ ... فأنت عند أولي الألباب معذورُ
وإن هلكت على جهلٍ وفزت به ... قالوا: جهولٌ أعانته المقاديرُ «2»
أنكد بدنيا ينال المخطئون بها ... حظ المصيبين والمغرور مغرورُ
دخل الخيار بن أوفى النهدي «3» - وكان كبير السن- إلى معاوية بن أبي سفيان، فقال له: لقد غيرك الدهر؟ قال: نعم، يا أمير المؤمنين، ضعضع قناتي، وشيَّب سوادي، وأفنى لداتي «4» ، وجرَّأ علي أعدائي، ولقد غنيت زمانا أزور الكعاب، وأسئل الثياب، وأحسن الضراب، وآلف الأحباب، فنأى الشباب عني، ودنا الموت مني.
وحذَّر رجل من الحكماء صديقاً له صحبه آخر، فقال: يا فلان، احذر فلاناً، فإنه كثير المسألة، حسن البحث، لطيف الاستدراج، يحفظ أول كلامك على آخره، ويعتبر ما أُخرت بما قدمت، فلا تظهرن له المخافة، فيرى أنك قد تحرزت وتحفظت. واعلم أن من يقظة الفطنة إظهار الغفلة مع شدة الحذر، فباته مباتة «5» الآمن، وتحفظ منه تحفظ الخائف، فإن البحث يظهر الخفي، ويبدي المستتر الكامن.