الْحَمْدُ للهِ وصَلَّى الله ُ عَلَى نَبيِّهِ وَمُصْطَفَاهُ. ... أمَّا بَعْدُ:
لاَ يَحْمِلُ الْحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ ... وَلاَ يَنَالُ الْعُلاَ مَنْ طَبْعُهُ الْغَضَبُ
لَقَدْ تَأَمَّلْتُ الْغَضَبَ فَإذَا هُوَ عَدُوٌ لِلإنْسَانِ؛ يُمْرِضُ مِنْهُ القَلْبَ واللِّسَانَ.
فلا يُبْقِي لَهُ صَدِيْقاً، ولا يَدَعُ لَهُ رَفِيْقاً، يُوْرِدُهُ السِّجْنَ والأَلَمَ، والْحُزْنَ والْنَّدَمَ.
يَدْعُوهُ لِظُلْم ِالأَشْخَاص، ويُنْسِيْهِ الاِقْتِصَاص، يَأْمُرُهُ بِالْقَتْل، ويُنْسِيهِ الْمِثْل، يُوقِعُهُ في الطَّلاَقِ، ويُنْسِيهِ ألَمَ الفِرَاقِ.
فوَجَدْتُهُ بِهِ عَلَى شفا جُرُفٍ هَار، وسَائقَاً لَهُ إلى النَّار، فَرَاعني ذَلِكَ، فَقُمْتُ هُنَالِكَ.
مُنْذِرَاً مِنَ الغَضَب، ودَاعِياً مَنْ غَضِب، أَنْ يَدْفَعَهُ بِمَا يَجِب، وَقَدْ قِيْل: الدَّفْعُ أَسْهَلُ مِنَ الرَّفْعِ.
واجْتِنَابُ السَبَبِ أَهْوَنُ مِنْ قَهْرِ الْغَضَبِ، وَمَنْ عَرَفَ العَدُوَّ احْتَرَسَ مِنَ الْعَدْوِ، والْمُؤْمِنُ لاَ يُلْدَغُ مِنَ جُحْرٍ مَرَّتَينِ، وَلاَ يَطَأُ عَلَى جَمْرَتَينِ.
فَهَذَا كِتَابُ لاَ تَغْضَبْ، لِكُلِّ مَنْ يَغْضَب، مَنْ قَرَأَهُ وَتَأَمَّلَهُ قَهَرَ غَضَبَهُ؛ لأَنَّهُ يُذَكِّرُ بِالْغَضَبِ وَنِكَايَتِهِ، وَضَرَرِهِ وَنِهَايَتِهِ؛ فَهْوَ أَشَدُّ الأَعْدَاء كَمَا قَالَ الْحُكَمَاء.
وَقَدْ قِيْل:
إِذَا قَالَتْ حَذَام ِفَصَدِّقُوْهَا ... فَإِنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَتْ حَذَامِ
وَقَدْ جَمَعْتُهُ على فُصُول؛ لِيَسْهُلَ على القارئ الْوصُول.
الْفَصْلُ الأَوَّلُ: لاَ تَغْضَبْ.
الْفَصْلُ الثَّانِي: أَسْبَابُ الْغَضَبِ.
الْفَصْلُ الثَّالِثُ: مَعْنَى لاَ تَغْضَبْ إِذْ لاَ يَمْلِكُ أَنْ لاَ يَغْضَب.