الحقِّ، وبيعةٌ لأنفسهم النفيسةِ لتذهب لمرضاةِ الواحدِ القهارِ، وبيعةٌ لوجودهم وحياتهم، لأنَّ في موتهم حياة للرسالة، وفي قتلهم خلوداً للملة، وفي ذهابِهم بقاءً للميثاقِ.
وعِلم ما في قلوبهم من الإيمانِ المكينِ واليقينِ المتين، والإخلاصِ الصافي والصدقِ الوافي، لقد تعبُوا وسهرُوا، وجاعُوا وظمئُوا، وأصابهم الضررُ والضيقُ، والمشقةُ والضنى، لكنه رضي عنهم.
لقد فارقُوا الأهل والأموال والأولاد والديار، وذاقُوا مرارة الفراقِ ولوعة الغربةِ، ووعثاء السفرِ وكآبة الارتحالِ، لكنه رضي عنهم.
لقد شُرِّدوا وطُرِدُوا وفُرِّقُوا وتعِبُوا وأُجهدُوا، لكنَّه رضي عنهم.
هل جزاءُ هؤلاء المجاهدين والمنافحين عن الملةِ: غنائمُ من إبل وبقرٍ وغنمٍ؟ هل مكافأةُ هؤلاء المناضلين عن الرسالة الذابِّين عن الدينِ: عُروضٌ ماليةٌ؟ هل تظنُّ أنه يُبرِدُ غليل هؤلاءِ الصفوةِ المجتباةِ والنخبةِ المصطفاةِ، دراهمُ معدودةٌ أو بساتينُ غنَّاء أو دورٌ منمَّقةٌ؟ لا.
يُرضيهم رضوانُ اللهِ، ويُفرحُهم عفوُ اللهِ، ويُثلجُ صدورهم كلمةٍ: {وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً {12} مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلَا زَمْهَرِيراً {13} وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً {14} وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا {15} قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً} .